الثورة_محمود ديبو:
عناوين عريضة التصقت بملف الدعم من مثل هدر وفساد وتلاعب وإثراء غير مشروع للبعض من أموال الدعم، فيما يبدي المعنيون عجزهم عن تحديد الفاعل الحقيقي وكأننا هنا نتحدث عن قوى خفية غير معروفة هي من تقوم بكل ذلك، وتفوت الفرصة على المواطنين في الحصول على مستحقاتهم بالشكل المطلوب.
بمقابل ذلك، وإذا ما أخذنا مادة الخبز المدعوم بوصفها المادة الأكثر التصاقاً بحياة المواطنين اليومية والتي لا يمكن الاستغناء عنها، نجد أن الشكاوى لم تتوقف يوماً عن سوء صناعة الرغيف في كثير من المخابز، ووجود تلاعب بالوزن وحتى بأكياس النايلون، إلى جانب مظاهر الازدحام الشديد على الأفران وهو المشهد المستمر منذ سنوات وحتى اليوم..يضاف إلى ذلك الانتشار الكثيف لباعة الخبز الذين دخلوا على خط تجارة الرغيف بالسوق السوداء، وهي المهنة الجديدة التي باتت تستقطب العشرات من الرجال والنساء وحتى الأطفال الذين وجدوا فيها مصدراً للعيش وتأمين ثمن الرغيف اليومي.
وبالنظر إلى حالة الاستسلام التي نجدها وصلت حد الانهزام لدى بعض المعنيين في هذا القطاع وإعلانهم عن عدم قدرتهم على ضبط الهدر والفساد والتلاعب بملف الدعم المقدم لرغيف الخبز، يمكن القول هنا إن اكتشاف (سر الأسرار) في هذا الملف لا يتطلب ممن هم جادون بالفعل بحل المشكلة، سوى الوقوف أمام أحد الأفران بدمشق لوقت لا يتجاوز الساعة ليكتشفوا أن كثيراً من الازدحام الحاصل يقف وراءه بعض العاملين بالفرن ومعهم باعة الخبز (بالتضامن والتكافل) فيما بينهم، حيث سيشهد بأم العين كيف تخرج كميات كبيرة من الخبز على مرأى ومسمع الجميع.
فبينما يتطلب الأمر أن ينتظر المواطن لأكثر من ساعة للحصول على مخصصاته على البطاقة، سيجد أن بائع الخبز وبمجرد أن نادى باسم أحد العاملين في الفرن تخرج له من الكوة ومن فوق رؤوس جميع المواطنين المنتظرين، كمية تصل إلى عشر ربطات في كل مرة، وهذا الأمر يتكرر خلال الساعة الواحدة أكثر من ثلاث إلى أربع مرات أي يحصل بائع الخبز أحياناً على 30-40 ربطة، فهو له الأفضلية ويحصل على الخبز بسهولة ودون انتظار أو تأخير وكلما أخذ دفعة يبيعها ويعود ليأخذ واحدة غيرها وهكذا، ولنا أن نتخيل كميات الخبز التي تخرج بهذه الطريقة يومياً بالنظر إلى تواجد العشرات من باعة الخبز يومياً ومعظمهم يعمل بنفس الطريقة، في حين يحتاج المواطن لنفس الزمن أحياناً ليحصل على مخصصاته التي حددتها له البطاقة الذكية.
والسؤال هنا أليس في هذا فساد وهدر وتطاول على المال العام وعلى حق المواطنين، أيعقل أن أحداً من المعنيين لم يقف على هذا المشهد، ولو بالصدفة، ليدرك أين يذهب الدعم ومن هم المستفيدون الحقيقيون منه..؟
ألم يكن من الأسهل معالجة هذا الخلل الواضح للعيان بدلاً من الانشغال بدراسات ومناقشات واجتماعات لبحث آليات جديدة للدعم واعتبارها هي الحل والمعالجة لمشكلة سرقة الدعم والتلاعب بحقوق المواطنين المستحقين له، في حين قد لا تكون الآلية الجديدة أفضل وربما قد تؤدي إلى ظهور ثغرات من نوع آخر تساعد في استمرار هدر الدعم وسرقته؟؟
وإن كان البدل النقدي هو الشكل الجديد لايصال الدعم إلى مستحقيه الذي على ما يبدو أن الحكومة اتخذت قرارها باتجاه تطبيقه خلال الأسابيع القادمة، فمن حق المواطن اليوم أن يحصل على المعلومات الصحيحة والدقيقة من المصادر الرسمية المعنية بهذا الملف مباشرة، سواء أكانت رئاسة الحكومة أو وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ووضعه بصورة ما سيتم اعتماده وكيف سيتعامل مع الواقع الجديد، حتى لا تتقاذفه الاجتهادات والأقاويل والتكهنات لبعض الأشخاص غير المعنيين والتي انتشرت خلال الأيام الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة، دون أن تحمل في مضامينها أية معلومة دقيقة أو مستندة إلى مصدر رسمي.
فطالما أن هذا المشروع موجه للمواطن مباشرة بوصفه المستفيد منه، فمن باب أولى أن يتم وضعه بالصورة الواضحة والدقيقة حول جميع التفاصيل والخطوات وشكل الآلية التي سيتم من خلالها إيصال الدعم له، وتعريفه بكل ما يجب أن يعرفه وبشكل مسبق.
وبعيداً عن كل ما قيل حول الآلية الجديدة التي سيتم اعتمادها، والآراء التي خرجت لتوضح (حسب فهمها) شكل تقديم الدعم، والبعض الذي خرج يقيم ويفند ويتحدث عنها، فالمواطن حتى الآن، ومنذ أن دعته الحكومة لفتح حساب مصرفي في أي من البنوك العاملة في سورية، لم تصله أية معلومة دقيقة حول قيمة البدل النقدي وكيفية الحصول عليه وهل سيكون هناك معايير جديدة لتحديد من هو مستحق أو غير مستحق، وإلى أي مدى سيكون هناك خاسرون جدد للدعم؟؟