الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
بالرغم من محاولة الكثيرين وعبرَ مراحلَ زمنيّة متعاقبة تهميش دور المرأة، وجعلها تعيش حياة (الحرملك) من خلال فرض قيود تحدّ من تفكيرها وإبداعها وتألقها، ووقوفها إلى جانب الرجل في شتّى الميادين، وتشويه صورتها وجعلها تابعة للرجل في كل شيء؟! وتهميش دورها وإظهارها (ضلعاً قاصراً) كما شاهدنا في بعض مسلسلات البيئة الشامية، مثل( باب الحارة) وغيره من مسلسلات ظُلمت فيه المرأة إلى حدّ كبير..
بالرغم من كلّ الظروف التي حاولت تقييد حركة المرأة وإبداعها، لكنها تجاوزت ظروفها، وحطّمت قيودها وقدّمت أدباً غنيّاً شكلاً ومضموناً، وبثت فيه من روحها وعقلها وعواطفها ومعاناتها الكثير، لكن ّالمرأة – أخت الرجال – لم تقف مكتوفة الأيدي، ولم تستكن لواقع ٍ حدّ من تطلعاتها، تمرّدت على واقعها، نبذت العادات والتقاليد القديمة التي تحدّ من حركتها، خرجت من قمقم الوصاية والخنوع والتبعيّة، إلى الفضاء الرحب الغني بتفاصيله الحياتية والاجتماعية والثقافيّة ، وبدأت مسيرتها الإبداعية في ميادين السياسة والثقافة والأدب، أسّست المنتديات والصالونات والملتقيات الأدبية، فاستقطبت الكثير من النساء في مجال كتابة الشعر والرواية والقصة و…
مثل مي زيادة ماري عجمي وصالونها الأدبي، كما لمع الكثير من الأسماء التي كتبت الشعر والقصة والرواية و… ونشرته في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في تلك الفترة.
من منا لم يقرأ للشاعرة فدوى طوقان، نازك الملائكة، بنت الشاطىء، فتاة غسان، نوال السعداوي، ولاحقاً دلال حاتم، غادة السمان، كوليت خوري، هدى شعراوي، ضياء قصبجي، ناديا خوست، اعتدال رافع، ، ملكة أبيض، توفيقة خضور، فاديا غيبور، حنان درويش، أحلام مستغانمي، سعاد الصباح،…ليندا إبراهيم
وغيرهن ممن تركن بصمات واضحة في مسيرة الثقافة والإبداع، وبالرغم من قلّة عددهن مقارنة مع عدد الأدباء والشعراء والكتّاب، فإن ولوج الساحة الأدبية لم يكن سهلاً، ولا طرقه معبّدة أمام النساء لظروف عديدة اجتماعية وتربوية و… منها الأمية والعادات المحافظة وعدم السماح للمرأة بالظهور في الأوساط الأدبية إلى جانب الرجال، وهذا بكلّ تأكيد حدّ من ظهور كاتبات وروائيات وأديبات بأعداد كبيرة على مستوى الساحة الثقافية العربية.
لم تكن المرأة يوماً خارج سياق تطور مجتمعها، بل كانت في قلبه، وفي أحداثه التاريخية المفصلية، تكتب عن معاناته، تكتب عن إنتصاراته ونكساته بلغتها الشفافة العابقة حبّاً وعذوبة، منطلقة ًمن دورها الفعّال في بناء المجتمع، ومواكبة تطوره والتغيرات الطارئة التي يمرّ بها.
في معارك الكفاح الوطني كانت أديبة مقاتلة، وفي معارك البناء ساهمت بما جاد قلمها فكراً وأدباً وفنّاً، شكّل مشهداً ثقافياً مميزاً إلى جانب الأدباء والشعراء والفنانين.
ولعلّ الظروف غير الطبيعية التي رافقت أو نتجت عن الحرب الكونيّة على سورية أفرزت كمّاً من الكاتبات والأديبات والشاعرات اللواتي لمعت أسماؤهن مع انتشار الفضاء الأزرق ووسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة النشر في المنتديات والملتقيات الأدبية والتي ظهرت بكثرة دونما حسيب أو رقيب.. هناك كاتبات يمتلكن الموهبة وعملن على صقل تجاربهن الإبداعية، من خلال النشر في الصحف المحلية والملاحق الثقافيّة وقدّمن للقراء نتاجهن بفرح، وقد لاقت تلك النتاجات من شعر وقصة ورواية وأبحاث وخواطر، الدراسة والنقاش والتحليل والنقد من خلال الندوات والأنشطة والفعاليات ، وفي المقابل هناك كثرة ممن يضعن قبل أسمائهن الشاعرة الفلانية والإعلامية العلانية، والناقدة…. تعج الكثير من أسمائهن الصحف والمواقع الالكترونية والتي تفتح صفحاتها لهن بالرغم من ضعف المستوى والمحتوى..؟!
في الوقت نفسه أن قسماً كبيراً منهن يتقلدن مهام إعلامية وأدبية في صحف تصدر خارج القطر، مثل نائب رئيس تحرير، مسؤول النشروالمتابعة، وبالمناسبة معظم كوادر بعض المجلات من النساء إن لم نقل أغلبهن؟!
المشهد الثقافي يتصاعد ويرتقي ويتنامى ويتسع أفقياً، من خلال كتابات شابات في مجال الشعر والسرد والرواية والإعلام بحكم الظروف التي نتجت عن الحرب فجاءت كتاباتهن تعبيراً عن واقع مؤلم من الفقد والحرمان والضغوطات النفسية والاقتصادية، وما يمكن قوله في هذا المجال :إن المرأة عموماً والسوريّة خصوصاً استطاعت أن تنقل معاناة مجتمعها عبر منجزات أدبية إبداعية سواء في الشعر، في القصة، في الرواية، في الفن، في الإعلام إلى القارىء (الالكتروني) مع غياب الورق، وبالتالي ازدادت مساحات الظهور والانتشار لدى أديبات هاويات أو يسرن على دروب الإبداع، يجدن في أنفسهن مشاريع مستقبلية لأديبات يحملن راية الإبداع في الساحة الثقافية.
المشهد الثقافي النسوي رغم بعض الهنات والملاحظات يمضي إلى حيث يجب أن يكون، ويشكّل رافعة حقيقية إلى جانب ما يكتبه الرجال، بالرغم من أن المصطلحات المتداولة في الساحة الثقافية مثل :الأدب النسوي، الأدب الشبابي،… لا تعطي تقييماً حقيقياً لما يُكتب إذا ما قورن بالشريحة العمرية والفئة التي تكتبه، فالأدب لا يقاس إلاّ بما يشكّله من قيمة إبداعيّة وفنيّة بغض النظرعن عمر وجنس من كتبه.
العدد 1195 –2 -7-2024