شكلت فنزويلا البوليفارية عقدة مستحكمة للساسة الأميركيين ،لأنها احتفظت بالإرث النضالي لأميركا اللاتينية حيث رئاسة الراحل هوغو تشافيز فبعد أن عجز أعداؤه عن قتله عبر أكثر من عشر محاولات اغتيال جاء عدوه الداخلي ورم السرطان ليقتله ،لقد رحل الكومانديتي الثائر الأممي اوغو تشافيز فجأة عن المشهد غيبه الموت وانتصر عليه المرض بعد أن انتصر في معركته على قوى الهيمنة والاستكبار والعولمة المتوحشة واستطاع كسر الإرادة الأميركية التي اعتبرت القارة اللاتينية حديقتها الخلفية التي لا يجوز لأحد أن ينازعها عليها إعمالاً لمبدأمونرو، فالرئيس الفنزويلي الراحل اوغو تشافيز أعاد إلى المسرح السياسي والنضالي حالة اعتقد البعض أنهم قادرون على جعلها من أفعال الماضي فأكد هو ورفاقه في أكثر من قارة أنها من فعل الحاضر والمستقبل،ألا وهي روح الثورة ،والثورية والنضال في مواجهة الإمبريالية العالمية وقوى الهيمنة والاستغلال .
لقد استمد الرئيس الفنزويلي الراحل نهجه ومبادئه من الإرث النضالي العالمي ومن المخزون التاريخي لقادة عظام في القارة الأميركية اللاتينية، يأتي في مقدّمتهم المناضل الفنزويلي سيمون بوليفار ،الذي عاش في القرنين الثامن والتاسع عشر وساهم في تحرير العديد من دولها من الاستعمار الإسباني الذي جثم عليها مئات السنين ،وكذلك من خوسيه مارتي الذي أراد تغيير اسم أميركا الجنوبية الى أميركانا، ليميزها عن الولايات المتحدة الأميركية التي سطت على الاسم ودوله وحاولت اختصاره بإمبراطوريتها الاستعمارية القائمة آنذاك وبالإضافة إلى ذلك يعتبرالرئيس شافيزالابن الشرعي للثورة الكوبية وقائدها فيديل كاسترو والمجسد الحقيقي لروح الثائر الأممي إرنستو تشي غيفارا والاستمرار لنهج الرئيس التشيلي الراحل سلفادور الليندي الذي قتل في انقلاب عسكري دبرته المخابرات المركزية الأميريكية عام ١٩٧٣، مع أنه كان منتخباً عبر آلية ديمقراطية .
واذا كان السؤال عن سبب محبّة الشعب الفنزويلي لرئيسه وتعلقه به وحزنه الشديد على رحيله ،فالجواب على ذلك أنه قائد جاء من صفوف الجماهير الفقيرة ووقف إلى جانبها وانحاز إلى قضاياها – ولاسيما الفقراء والمحتاجين والمهمشين والطبقات الوسطى -فسخر ثروات فنزويلا الاقتصادية وخاصة البترول الذي تمتلك أكبر احتياطي عالمي منه باتجاه تأمين الخدمات الصحية والتربوية المجانية لملايين الفقراء ودعم وتنمية القطاع العام وتأمين فرص العمل للأجيال الشابة الداخلة على سوق العمل ،إضافة لإتباع وتصميم سياسات اقتصادية تعتمد الحوكمة الاقتصادية والحكم الرشيد ،ما ساهم في تحقيق تنمية حقيقية كانت الأساس في الاستقرار الذي شهدته فنزويلا على الرغم من المحاولات المتكررة للولايات المتحدة الأميركية لزعزعة أمنها واستقرارها ،
وإلى جانب تلك السياسات الحكيمة اتسم الرئيس تشافيز بمتابعته الشخصية لقضايا الناس على الرغم من وجود مؤسسات رسمية تعنى بذلك حيث استخدم تقانة الاتصال والإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ليتواصل مع مواطنيه للوقوف على احتياجاتهم ومطالبهم ،ويقال :إنه كان يستمر في العمل ومتابعة الشأن العام حتى الرابعة صباحاً، ثم يفرغ إلى النوم والراحة.
وإلى جانب أنه كان نصيراً للفقراء والمظلومين في بلده ،وكان كذلك في علاقاته مع دول وشعوب العالم حيث انتهج سياسة وطنية معادية للإمبريالية والهيمنة وقوى العولمة المتوحشة ،وساند حركات التحررفي العالم ووقف إلى جانب الشعوب الباحثة عن الحرية والاستقلال، ومن هنا جاء وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية وحركات المقاومة في المنطقة والمعسكر المقاوم للهيمنة الأميركية وكان كثير الإشادة بالنهج التحرري الوطني الذي سار عليه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إلى درجة أنه قال: إنه ناصري وعروبي بالمعنى النضالي والسياسي بالطبع، وهو ما يفسر وقوفه إلى جانب الشعب العربي السوري في الحرب الكونية التي تشن عليه .
لقد مثل الرئيس الراحل شافيز ظاهرة سياسية فريدة وملهمة للعديد من القادة والساسة في العالم إلى جانب أن له كاريزماعلى درجة عالية من الخصوصية ،ولعلّ حسّه الشعبي وشخصيته الفذة وحياته البسيطة وشفافيته في التعبير عن ذاته إضافة إلى الإنجازات التي تحققت في عهده ومواقفه من القضايا العادلة في عالم اليوم هي التي منحته كلّ هذه المحبة والاحترام والتقدير في فنزويلا وخارجها .
ولا شك أن شافيز شكّل ظاهرة سياسية ونهجاً، يعتقد المتابعون للشأن الفنزويلي أنه لن ينتهي أو يرحل برحيله ،فالواضح أن الشعب الفنزويلي بأكثريته متمسك بنهجه وسياساته ،إضافة إلى خليفته مادورو الذي اختاره ليكون نائبه وهو على قيد الحياة وهو الذي أعلن في كلمته التي ألقاها أثناء مراسم التشييع إنه سيبقى متمسك بنهج ومبادئ الثورة البوليفارية التي مثلها الرئيس الراحل وهو الذي سيكون مترشحاً للرئاسة في الانتخابات التي ستجري اليوم الثامن والعشرين من شهر تموز 2024 وفق دستورهم النافذ .
والحال : أن النهج الذي استمر عليه الرئيس مادورو وهو نهج الراحل تشافيز و سيمون دي بوليفار هو الذي يزعج الإدارة الأميركية وحلفاءها ،لأنه شكل عقبة في وجه الهيمنة الأميركية على القارة الأميركية وتحديا” حقيقيا” لها ومساندا” لحركات التحرر العالمية ومنها القضية الفلسطينية ،ولاسيما المواقف المؤيدة للمقاومة والتصدي للعدوان الحاصل في غزة والوقوف إلى جانب كلّ حراك بمواجهة الكيان الصهيوني على المسرح العالمي ،ولاسيما في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وحث دول العالم على مقاطعة الكيان الصهيوني والانتصار لمعركة الجنوب في مواجهة الاستكبار العالمي وتشكيل جبهة عالمية لمواجهة الامبريالية الجديدة والانتصار لحركات التحرر وتحدي الإدارة الأميركية في كلّ الساحات .
لقد فشلت الإدارة الأميركية بل الإدارات المتعاقبة في تحريض الشعب الفنزويلي على حكومته الشرعية والوطنية ،من هنا نراها اليوم وفي ظلّ إجراء انتخابات رئاسية في فنزويلا بدأت بالتشويش والتشكيك في هذه الانتخابات وشرعية نتائجها، لقناعتها بأن النتائج لن تكون في مصلحة مرشحها الذي بدا يهدد بتحريك الشارع حال عدم فوزه بدليل نيته مغادرة فنزويلا خلال يومين مدعياً تشكيكه بنزاهة الانتخابات قبل حدوثها وسعيه لأن تكون بقوة فائض القوة الخارجية وليس بفائض قوة الداخل لجهة أن أميركا لا يهمها إلا أن يكون الناتج وفق مواصفاتها السياسية لا مواصفات واردة الشعب الفنزويلي في قيادة وطنية يمثلها الرئيس نيكولاس مادورو، حيث تسير لذلك كلّ استطلاعات الرأي العام غير المنحازة ما يشكّل صفعة قوية للولايات المتحدة الأميركية في أميركا الجنوبية واللاتينية التي كانت تعتبرها الحديقة الخلفية لها إعمالا لمبدأ مونرو .