الثورة – مها دياب:
يعتبر “الصمت العقابي” ظاهرة سلبية تؤثر بشكل كبير ومؤلم في العلاقات الزوجية عندما يختار أحد الزوجين الصمت للتعبير عن الغضب أو الاستياء من الطرف الآخر، دون التحدث بوضوح عن الأسباب والمشكلات التي سببت هذه المشاعر له، ويتمثل هذا الصمت بوضوح في عدم التجاوب أو التفاعل، أو عدم التحدث أو الاستماع لما يقوله الآخر.
وتبدأ آثاره بالظهور على الطرف الآخر، عند تجنب الحوار، وتقديم ردود غير ملتزمة أو غير مباشرة، وعدم المشاركة في الأنشطة المشتركة، ما يؤدي إلى إحساس الشريك الآخر بالإهمال أو الإحباط والشعور باليأس والفشل بفهم ما يحدث ولما يحدث ويعتقد أن المشكلة تكمن لديه وعليه المحاولة دائماً لمعرفة سبب التجاهل والاستياء ونيل رضا الطرف الصامت.
وهنا نورد تعريفاً للصمت العقابي وتأثيره على أطراف العلاقة وخطوات التعامل معه
السكوت اللفظي
الصمت الزوجي أو المعاملة الصامتة ما بين الزوجين، كما يعرفه خبراء النفس، بأنه السكوت اللفظي المتعمد والذي يشكل حالة من السلبية العدوانية والإيذاء العاطفي تجاه الطرف الآخر في العلاقة الزوجية، ويبعث الشخص الصامت مشاعر سلبية إلى الضحية بالاستياء واللا مبالاة وربما الاحتقار أحياناً، وقد وصفته الدكتورة النفسية هاريت برايكر بأنه يعد الأقصى من بين أشكال العقاب التحكمي والاستغلالي قد يتعرض له أحد الزوجين، في إطار العلاقة الزوجية، فالكثير من الأزواج يستخدمونه كوسيلة انتقام أو تأديب أو تعذيب بغرض الإساءة والإيذاء والضغط، ويستمر لفترة طويلة.
يسبب الكآبة والمرض
قد يستهين الكثير من الأزواج بالأثر الخطير الناجم عن عقاب الشريك الآخر بالصمت، ولكن حسب ما كشفته الأبحاث أن الصمت العقابي يُنشط منطقة في الدماغ التي ينشطها الألم الجسدي، الأمر الذي يسبب للضحية أوجاعاً نفسية كالحزن والاكتئاب، وتدني تقدير الذات وقد ينتهي ذلك بالكثير من الأمراض الجسدية.
كما بين علماء النفس أن هذا الصمت والتجاهل يؤثر على رضا الشريكين عن علاقتهما الزوجية، ويؤدي إلى فتور العلاقة الحميمية وربما يُدمر حياتهما الزوجية تماماً، وهذا ما أكدته لينا سيدة في 25 من العمر بكلامها عن مرحلة زواجها السابق لرجل غير متزن نفسياً، وأنه كان يعاقبها بالصمت، عند أي سلوك أو موقف لا يعجبه، ويستمر في ذلك لأيام وأسابيع وشهور أحياناً.. وهو ما أدخلني في حالة من الاضطراب النفسي وفقدان الثقة بالذات، كدت أفقد معها صوابي، ودائماً ما كانت محاولاتي لكسر الصمت بالتجاهل القاتل، وكأنني غير موجودة بحياته، إلى درجة أنني دخلت في بعض المرات في نوبات هستيرية وعنيفة مع نفسي ومع أطفالي، كما انعكس على صحتي الجسدية لأصيب بآلام شديدة في أنحاء جسدي، حتى قررت في النهاية أن طلبي للانفصال هو الحل الوحيد لنهاية عذابي، ولأستطيع لم شمل نفسي وأصلح علاقتي بأطفالي، وطبعاً الشكر لله أن أهلي كانوا بجانبي وساعدوني كثيراً، لأنهم تأكدوا أن بقائي معه يعني الجنون أو الموت المحتم.
كسر الصمت الزوجي
وضع الخبراء النفسيون مجموعة من الخطوات التي تكسر إلى حد كبير الصمت العقابي بين الزوجين من بينها حب النفس وتدليلها والاهتمام بها لتفادي الوقوع في العزلة والحزن، وأهم خطوة هي مجابهة الشريك الصامت والتصرف بالهدوء واللا مبالاة ليتيقن أن سلاح الصمت عديم الفائدة فيتوقف عن سلوكه.
كما يجب الضغط على الذات والمقاومة لتفادي الانعزال والمحافظة على النشاطات الاجتماعية ضمن دائرة الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل، كالتخطيط معهم للذهاب في رحلات والخروج في سهرات، أو على الغداء خارجاً، أو ممارسة أي نشاط أو هواية تحافظ على الثبات والقوة، مما يملأ الفراغ، بالتالي ينقذه من الوحدة التي فرضها عليه الشريك الزوجي بصمته العقابي.
قد يفيد كثيراً تعلم تقنيات الذكاء العاطفي لإيجاد طريقة لإدارة المشاعر وكيفية التواصل الصحيح مع الشريك، وضرورة طلب المساعدة من استشاري العلاقات الزوجية أو اختصاصي نفسي، لربما يكون الشريك نرجسياً أو يعاني من عقدة أو مرض نفسي وفي حال طلب المساعدة يكون هناك فرصة كبير للعلاج وتخطي المشكلة.
الانسحاب والمغادرة
أكد الخبراء على عدم السماح بإيذائك من قبل الشريك أبداً ويجب وضع حدود السلوكيات المقبولة وغير المقبولة بينكما، والتأكيد على عدم تجاوزها وحاول دائماً ألا تكون الطرف الضعيف، وإذا استدعى الأمر الانسحاب، فافعل وغادر دون أي شعور بالذنب والمسؤولية لأن صحتك النفسية والجسدية والعقلية أهم من أي علاقة مهما كانت.