الثورة – رشا سلوم:
يبدو أن الاشتغال على النقد هذه الأيام ظاهرة تزداد اتساعاً، ولاسيما في الدراسات الأكاديمية..
نعرض اليوم لكتاب مهم صدر حديثاً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق حمل عنوان: “المقاربة النقدية للشعر من التنظير إلى التطبيق”.. تأليف الدكتور أنس بديوي.
يقول المؤلف في مقدمته باسطاً فصول كتابه:
تبدو ظاهرة ما يمكن أن نطلق عليه (الكتاب المقالي) بتصنيف أجناسي يحيل على كتاب واحد لبحوث متنوعة ودراسات ذات حضور مهيمن في الكتابة النقدية المعاصرة، وهذا يعني -في ما نزعم- خصوصية في تصنيف الكتاب وإخراجه تبتعد عن نمطية ما ألفناه وتضفي عليه متعة التنوع.
يقع الكتاب في مقدمة وخمسة مباحث، المبحث الأول (الأشكال الإيقاعية المتجاورة في القصيدة الواحدة) قام البحث بتتبع ظاهرة تجاوز الأشكال الإيقاعية في منظور بعض الدراسات النقدية السابقة، عارضاً أبرز المصطلحات والمفهومات التي عبرت عنها ورصد نماذج من التجار الإيقاعي بين بيت الشعر والتفعيلة، ووقف على التجاور مع النثر في نموذجين، وحاول أن يبين مسوغات هذا التجاور بالاستناد إلى العلاقة بين طبيعة الانفعال في النص الشعري، والسياق الذي جاءت فيه الظاهرة، وخلص إلى الامتداد النصي للتجاور بين بيت الشعر والتفعيلة لاعتمادهما خصيصة الوزن، نزوعاً إلى تصعيد الانفعال وتنشيطه وتنويعه، بينما كان التجاور مع النثر ينسجم غالباً مع توجه النص في التمكين لما هو فكري.
المبحث الثاني: النص الشعري القصير من منظور التجريب، مجموعة طائرها الغريب لرضوان السح نموذجاً.
قارب البحث ظاهرة النص الشعري القصير بوصفه أداء تجريبياً في كتابة الشعر، وهذا المصطلح يتمايز من غيره من المصطلحات كالقصيدة الومضة والقصيدة القصيرة على سبيل المثال، ومع ما بدا قريباً من قصيدة البيت تبدت ملامح المغايرة في التشكيل لاختلاف النسق الثقافي الموجه للإبداع إنتاجاً وتمكيناً.
شكل فضاء التدوين النصي معياراً رئيساً في تحديد ما سميناه (النص الشعري القصير) قياساً على ما أطلق عليه القصيدة الطويلة أو المتكاملة، إذ تحدد مدلول المصطلح من منظور سطوة الشكل في إطلاق التسمية، إضافة إلى معيار ما يستغرقه إلقاء النص أو تلقيه من زمن، وهما معياران متلازمان وأظنهما المعيارين الأكثر وضوحاً وثباتاً، ولاسيما أن الشعر فن زماني مع إدراكنا أن المسألة لا تعتمد جانباً واحداً يتأسس عليه تحديد مضمون المصطلح، ولعل هذا التعدد مستند إلى تطور مفهوم الشعر أو تطور أدواته على الأقل، مما يجعل التجريب من أكثر الظواهر تحويلاً لما هو ثابت فيه وتأثيرها في تحديثه لتعلقه بالأشكال والأساليب الفنية.
إن المجال التطبيقي لهذا البحث هو مجموعة (طائرها الغريب) للشاعر رضوان السح وقد تميزت بفرادتها الأسلوبية القائمة على التكثيف والنزوع الصوفي مما جعلها جديرة بالتلقي النقدي.
المبحث الثالث: قراءة بنيوية لقصيدة آخر النهايات؟؟؟.. يا ليتها، للشاعر فايز خضور،
قدم البحث قراءة نصية لقصيدة آخر النهايات؟؟؟ يا ليتها للشاعر فايز خضور اعتمدت أساساً ما عرف في الأبيات النقدية المعاصرة بنظرية المستويات في المنهج البنيوي وهي قراءة حددت تلك المستويات بثلاثة مستويات رئيسة، هي المستوى اللغوي والمستوى التصويري والمستوى الإيقاعي، وتجدر الإشارة إلى تداخل المستوى الدلالي بتلك المستويات بوصفه خلاصة ما أراد النص أن يقوله استناداً إلى النظم والأنساق التي أنتجته.
وقد دافع البحث عن فكرة تطور القراءة البنيوية تطبيقياً بتطور المراحل التي مرت فيها البنيوية: الشكلية والتكوينية والنفسية وذلك انطلاقاً من قناعته بممارسة الدراسات النقدية التطبيقية التحليل البنيوي في مباشرة النصوص مجال التطبيق البحثي النقدي ودرسه من دون اعتماد مطلق على مقولات البنيوية اللغوية وأداواتها الإجرائية، فالاهتمام بما هو داخل النص كان محور الدرس البنيوي نقدياً.
أما مظهر التطور الذي أشرنا إليه فيتبدى برصد العتبة النصية في تفعيل آلية التلقي على أساس الدور الذي تؤديه في توجيه مسارات القراءة.
المبحث الرابع: قراءة تفكيكية لقصيدة صقر عليشي شرح على الذيل قدم البحث قراءة لقصيدة الشاعر صقر عليشي شرح على الذيل من مجموعته الشعرية عناقيد الحكمة وهي قراءة اعتمدت منظور استراتيجية التفكيك التي تأسست على مقولات رئيسة أهمها: اللعب الحر للدوال والاختلاف المجيء للدلالة المتعالية المعاينة المحددة والأكثر بوصفه منتجاً دلالياً عن علاقات الحضور في النص، وهي تستدعي الدلالات الغائبة وفق ثقافة المتلقي وخبرته الجمالية وتوجهاته الفكرية والمعرفية ورأت هذه القراءة أن (الديل) تجاوز دلالته النصية الرمزية ليبدو ثقافة تكون أحد أنماط تفكير الإنسان وسلوكه وعلاقاته الاجتماعية أيضاً، وتبدو هذه القراءة نموذجاً لدرس تطبيقي من منظور التفكيكية التي أكد غير قليل من الدارسين صعوبة نقل مقولاتها النظرية التي استقبلت أصلاً من ثقافة الآخر المختلف عن العربي إلى إجراء تطبيقي بالمدلول الشائع المتداول لمصطلح النقد التطبيقي.)
الكتاب مهم من جهة التنظير النقدي والترتيب والقدرة على قراءات المشهد النقدي الشعري وهو منجز معرفي في التنظير النقدي الأدبي.