الملحق الثقافي- حسين صقر:
لايختلف اثنان على أن للأعمال الإبداعية أياً كان نوعها تأثيراً كبيراً على السلوك الشخصي والعلاقات الاجتماعية، لكونها تسلط الضوء على مشكلات ومواقف كثيرة تكون في الأغلب مستعصية، وذلك من خلال المحاكات والإسقاط.
تلك المواقف غالباً ما تحتاج إلى قرارات صعبة، ولهذا تأتي الأعمال الإبداعية والأدبية لتقدم من خلال العروض المتنوعة مقترحات مختلفة يتمكن القارئ عبرها من تعميق نظرته وتوسيع آفاقه وتنويع مبادراته.
ما يساعد على ذلك بالطبع تقديم الأدب لتلك المواقف بطريقة معقدة إلى درجة لا يجدها في مواقفه اليومية العادية، ومع ذلك فهو يتعلم منها دون أن يكون مضطراً للتعرض في حياته الشخصية لأمثالها أو لاتخاذ قرارات مفاجئة قد تكون قريبة المعطيات منها.
كذلك قارئ الأعمال الأدبية يستطيع مشاهدة المواقف الحاصلة دون أن يكون منحازاً، بل يستطيع مقاربة الأمر ووضع نفسه مكان الطرفين المتنازعين، وبذلك سوف يكون قادراً على الإقناع بالحق أكثر مما لو كان غير مطلعاً على عمل أو عدة أعمال، لأنه دائماً العبرة بالقصص والحكايا التي نقيس عليها الحلول.
التاريخ بالطبع لم يبخل بقصص وروايات وكان لدينا الكثير، وأصبحت حكاياه أمثلة يقتدى بها، وأبطال تلك القصص باتت نماذج للمحاكاة والتقليد، ولهذا بات القارئ ونتيجة رؤيته لهذه المواقف وقراءته لها بطريقة موضوعية وعبر تفكيره فيها قادراً على صنع قراراته الأخلاقية الشخصية بشكل أفضل عندما يضطر لذلك.
فالأدب قد يكون حافزاً لا مثيل له للتفكير الأخلاقي، لأنه يقدم الخيار الأجدى نفعاً بمضمونه التام دون أن يترك شيئاً ذا صلة بهذا المضمون إلا واستخدمه، ولعل قوة الأدب الرئيسة في المجال الأخلاقي تعود إلى مقدرته الفريدة في تطوير وإيقاظ ملكة التّخيل في النفس، لأنه من خلال الأدب يُحمل القارئ إلى ما يتعدى حدود عالمه الضيق.
الذي يسكنه معظم الناس إلى عالم من الأفكار والمشاعر أكثر عمقاً وتنوعاً، إلى عالم يستطيع فيه أن يتقاسم الخبرات مع كائنات إنسانية بعيدة عنه في الزمان والمكان وفي المواقف وفي طرق العيش.
ولهذا فالأدب يجعل الإنسان قادراً على الدخول مباشرة في العملية العاطفية للبشر، وعندما يكون ذلك القارئ قادراً على الحكم لشرائح إنسانية كبرى بوصفها غريبة أو لا تصلح لشيء، يبتعد بشكل آلي ولايزج نفسه في مكان لايستطيع التأثير فيه.
وبالتالي فاللعمل الأدبي الناجح ينير الدروب للحياة، ويحفز الناس على العطاء والتفاعل، وجعل الجميع لهم ذات التأثير، مبتعدين بعواطفهم محكمين لعقولهم، يجابهون التحديات، ويجربون الاختبارات القاسية والمرة كما يجربها هو، وذلك من خلال تدريب المخيلة الوجدانية، وبذلك يقوم الأدب بتقريب الناس بعضهم بدلاً من تفريقهم، كما يوحد بين شرائح الجنس البشري بطريقة تشبه الوعظ والتربية، وربما تكون أقوى بكثير المقالات العلمية والوصفية لعلم النفس أو علم الاجتماع، كما أنه يكشف عن الطبيعة الإنسانية الموجودة في كل فرد وراء واجهة ونقاب التقسيمة والإيديولوجيات السياسية والمعتقدات الدينية.
وختاماً فالأعمال الأدبية تحفز الملكة الإنسانية على التخيل أكثر من أي شيء آخر، لأن الخيال الأداة الوحيدة والأعظم للخير الأخلاقي، وقد تبدو هذه الجملة وكأنها مبالغة، ولكن لنتصور حال الأخلاق دون مخيلة كيف سيكون حال المجتمع؟!
العدد 1204 –10 -9 -2024