هي أوروبا التي لاتزال تلوح بمروحة النبلاء لتبرد وجهها الارستقراطي الذي قد تلفحه أو حتى تحرقه نيران الحرب الأوكرانية وخاصة في هذه اللحظات التي يجب على ساندريلا القرون الوسطى أن تعود بلحظة إرادة أميركية إلى العمل كخادمة في البيت الأبيض وأن تخلع عن جسدها كل معاهدات الرفاهية حتى معاهدة لشبونة التي أقسمت فيها منح المواطن الأوروبي كل مقومات الترفيه، لدرجة أن يقود سيارته على امتداد القارة الأوروبية دون أن توقفه حدود أو حتى ضائقة مادية، فالحكومات هناك تعبئ جيوبه باليورو وتطعمه الزبدة، لكن المرحلة على ما يبدو تتطلب أن تتخلى أوروبا عن مستويات الرفاهية أشعر بها، وتأخذ كل ما في جيوبهم لتضعه في جيب الحرب الأوكرانية، وتحت تصرف الإدارة الأميركية ودميتها الأوكرانية زيلينسكي.
فالمقايضة اليوم هي أن تستجر أوروبا كل نقودها وتضعها في خدمة الإنفاق العسكري على الحرب الأوكرانية، وهو ما لم يحدث منذ اغلقت بوابة الحرب الباردة، وخفضت الحكومات الأوروبية ميزانياتها العسكرية مقابل وضع مليارات الدولارات في خدمة المواطن الأوروبي، وكل ما يتعلق بدعمه وتحويل معيشته إلى مواطن من الدرجة الممتازة يقيم في منازل النجوم المطبوعة على راية الاتحاد الأوروبي، ويعيش في كنف اتفاقيات جعلت من الترف حقاً من الحقوق الإنسانية.
أما اليوم وقد عاد زمن الحروب والتهديد الذي تقوده واشنطن، تحاول أميركا إلقاء المواطن الأوروبي ليكون وقوداً لاستمرارية رفاه المواطن الأميركي، وتضع الإدارة الأميركية الدول الأوروبية نفسها في مأزق وفي خيارات التخلي عن الرفاهية وارتداء خوذة الحرب لمواجهة روسيا في أوكرانيا، فهل من السهل استبدال الزبدة بالأسلحة كما تقول الصحف الأوروبية والأميركية أيضاً.
رغم أن المرشحين الأميركيين لإدارة البيت الأبيض كلاهما يضع على أجندته الانتخابية استجرار الأموال الأوروبية لمصلحة الحرب الأوكرانية، إلا أن السفن الشعبية والحزبية للاتحاد الأوروبي لا تجري بما تشتهي واشنطن والميزانيات في ألمانيا مثلاً لم تفتح جيوبها للإنفاق العسكري، لدرجة أن وزير الاقتصاد في برلين، قال إن زيادة التسليح ستفكك دولة الرفاهية، وإن الخطر الذي تتحدث عنه أميركا في أوكرانيا لا يضاهي التهديد الداخلي من الناس الذي خاب أملهم في الديمقراطية لدرجة الاحتجاجات التي خرجت من أقصى اليمين وأقصى اليسار قرب القواعد العسكرية لمنع توريد السلاح إلى أوكرانيا، فشبح ماري أنطوانيت لايزال يطارد ذاكرة الجوع الأوروبية، فلا مجال لاستبدال الخبز بالبسكويت ولا الزبدة بالأسلحة!
السابق