الثورة – رفاه الدروبي:
“الأمن اللغوي العربي” العنوان العريض لمحاضرة ألقاها رئيس المجمع اللغوي الدكتور محمود السيد في قاعة محاضرات المجمع.
استهلَّ الدكتور السيد حديثه أنَّ الأمن اللغوي العربي يُشكّل دوراً مهماً في الأمن الاقتصادي، البيئي، المائي، لا بل يفوقهم في الأهمية، كونه يتعلق بهويتنا.. بتراثنا، بوطننا، ولا بدَّ من المحافظة على اللغة لأنَّها لغة القرآن والرابطة الناطقة بينِ الأمة العربية من شرقها إلى مغربها قومياً، لذا أنشد نزار قباني:
إني أحبّك كي أبقى على صلةٍ
بِالله ، بالأرضِ ، بالتاريخ بالزمن
أنت البلاد التي تعطيني هويتها
من لا يُحبّك يبقى دونما وطن
رئيس المجمع انتقل للحديث عن سمات اللغة بأنَّها تتحلَّى بالإيجاز والإعراب والدقة في التعابير.. تحمل في طيَّاتها المفرد والمثنى والجمع، وهناك كلمات لها معنيان متعاكسان ككلمة “الدارين”، وتعني الدنيا والآخرة وفيها ٤٠٠ ألف جذر، وبمقارنتها مع اللغة الفرنسية نجد أنَّ لها ٢٥ ألف جذر، والإنجليزية٦٠ ألف جذر، لذلك حافظت الدول العربية عليها، ووضعت القوانين لحمايتها، وكانت سورية سبَّاقه في المجال ذاته لأنَّها الدرَّة بين الأقطار العربية في حفاظها على سلامة اللغة وحمايتها.
ثم عاد الدكتور السيد إلى ذكر الجهود المبذولة من قبل رجالات سورية الأوائل من خلال حملات تعريب موفَّقة بعد كنس الاحتلالَين (التركي والفرنسي)، ووضعوا المصطلحات العربية مقابل الكلمات التركية والفرنسية، باعتبارها كانت منتشرة في دواوين ودوائر الدولة كافة، وعمد المعهد الطبي العربي وكلية الحقوق إلى التدريس باللغة العربية في الجامعة السورية، وظلت مُستمرَّة في جميع ميادين المعرفة، كما لعب المسيحيون في سورية دوراً لا يُستهان به في عملية التعريب.
الدكتور السيد اعتبر اللغة وطننا، ولذلك ينبغي على الإنسان أن يكون باراً بأمه ووفياً لها، لكن ما مدى الوفاء تجاهها؟ فالأمن اللغوي يعني الاستقرار والسكون والفرح والمسرَّة، ثم تساءل: هل ما حققناه بالنسبة للغة العربية كافٍيا، ألا يوجد اختراقات كثيرة للسلامة اللغوية، كان يتوجَّب علينا تحديد الجهات المعنية لذلك، والتحديات المواجهة لها وكيفية النهوض والارتقاء بها، مؤيِّداً كلامه بمقولة للدكتور عبد الكريم اليافي: “لم يبقَ شيء في أيدينا سوى لغتنا لغة القلب والهدب” لأنَّها هوية الأمة ويلقى على عاتق الأجيال التعريف بالثقافة وتسليط الأضواء من جميع الجوانب لأنَّها تحمي ثقافتنا على مدى العصور.
ثم لفت إلى أنَّ “اليهود” ظلَّوا مُصرِّين على اللغة العبريَّة منذ الانتداب البريطاني على فلسطين عندما أصدر مندوبهم عملة باللغتين الإنكليزية والعربية فاحتجَّ “بن غوريون” على عدم وجود لغته فما كان من المندوب البريطاني إلا أن جمع النقود من الأسواق، ووضع عملة جديدة تحمل اللغات الثلاث، كما أضافوا لغتهم على التلال والأراضي في فلسطين المحتلة، ونحن نترك لغتنا فنرى كمَّ الاعتداء عليها في العملية التعليمية، وفي مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراة، تتمُّ كتابتها ومناقشتها باللغة الإنجليزية رغم أنَّ لجان تمكين اللغة بذلت الجهود الكبيرة لتكلُّم المُدرِّسين والمعلِّمين باللغة الأم في الحصص الدراسيَّة، ومن جهة أخرى تنتشر الإعلانات المكتوبة بالعاميَّة في الطرقات والأزقَّة.