رنا بدري سلوم
كان يقرأ همام نشيده « من حقّنا « وإذ قلتُ له يا بنيّ أتدري أنّ هذا النص للشاعر «صالح هوّاري «من أهم كتّاب أدب الطفل في سورية ولديه مجموعات شعريّة كثيرة سترافقكم طوال سنواتكم الدراسيّة في الصف الثالث والرابع والخامس الابتدائي؟ ومن هنا كان لابدّ أن أحيّ الشاعر هوّاري وأوصل له تحيات طفلي، فكان لي معه الحوار التالي عن أدب الطفل، وكيفيّة التأثير به أمام شاشات ليزريّة تستحوذ على عقله، وكيف لنا أن نعيده إلى قصائد مكتوبة بكتابٍٍ ملونٍ وورقيّ.. أدبُ الأطفال، من الآداب الصّعبة، هو السهل الممتنع، لما يحمله من قيم وفضائل ومكارم أخلاق توجّه مباشرة لعقل القارئ.
-برأيك ما هي مقومات أدب الطفل الناجعة في إنجاح رسالته والتأثير في نفس الطفل؟.
–أدب الأطفال هو نمط من أنماط التعبير الأدبيّ، يهتمّ بميول الأطفال وإثارة أحاسيسهم الجماليّة وانفعالاتهم الوجدانيّة، على أن يناسب مراحل نموّهم وتنمية شخصيّاتهم تربوياً ونفسياً و اجتماعياً، أدب الأطفال، يتطلب عملاً صعباً وشاقاً وقدرات خاصة وخبرة عميقة في سبر عوالم الطفل، ولصعوبة هذا الأدب سئل الكاتب الإيرلندي سموئيل بيكيت:
لماذا لا تكتب للأطفال وأنت كاتبٌ كبيرٌ؟
فأجاب: لأنني لم أنضج بعد!.
يحتاج أدب الطفل إلى قدرات خاصّة عند الكاتب، ففي السويد مثلاً هناك معاهد متخصّصة تعد الكاتب إعداداً تربوياً شموليّاً نظراً لقيمة الطفل كرجل المستقبل. وهذا الأدب من هذه المقومات التي تتكئ على القيم الجمالية الفنية إلى جانب القيم السامية التربويّة، وليس الوعظ والتعليم المباشر، واعتماد لغة سهلة وعدم الجنوح إلى لغة الكبار الصعبة، وفي الشعر استخدام الأوزان ليسهل حفظ النص ، إضافة إلى استخدام البناء الفنّي المتكامل في السرد القصصي و الحكايات، واتباع عنصر التشويق، وعدم تكرار الموضوعات التقليديّة المطروحة، والتزويد بالخبرات والمعارف للاستعانة بها في حياتهم، وإغناء مخيّلة الطفل بصور فنيّة جميلة يستخدمها في كتاباته التعبيرية في المستقبل.
– يحقق أدب الطفل أهدافاً جمّة، ما نوع اللغة التي توافق الطفل ونموّه العقليّ والنفسيّ والاجتماعيّ التي تستهدف بناء شخصيّته متفقة ًمع خصائص المجتمع؟
–على كاتب أدب الأطفال أنّ يهتم باللغة التي يستخدمها في تأليف نصه سواء كان شعراً أم قصةً أم مسرحاً، لا يميل إلى استخدام لغة الكبار وإلا فقد النص عفويته وجماله، وعليه اختيار مفرداته التي تحوي على معانٍ محسوسة يدركها الطفل بسهولة ويقلل من المفردات المجردة الصعبة ، ويقلل قدر الإمكان من التقديم والتأخير في استخدام التراكيب الشعرية، كي لا يأخذ الطفل في متاهات التعقيد ولا يستوعب معاني الجمل بل يعطي معاني بسيطة منسابة شعرياً دون لفّ أو دوران. مثال بسيط لهوّاري» ما أكرم الشتاء كنوزه الأمطار غيومه تبكي فتضحك الأزهار».
وفي لغة النّص المكتوب للأطفال يجب استخدام الصّورة الفنيّة المباشرة ليدركها الطفل بإحدى حواسه والإغراب في الصورة الفنيّة مكروه لأنه يرهق أفكاره، وعلى كاتب الأطفال أن يؤنسن الأشياء، ويبث الحياة والحركة في أوصالها. مثال أيضاً عن شاعر يخاطب النهر «أيّها النّهر لا تسر وانتظرني لأتبعك.. أنا أخبرت والدي أنّي ذاهب معك».
-العالم الرقميّ اليوم حوّلنا إلى رقم، برأيك هل تختلف الرسالة المقدّمة في أدب الأطفال لتواكب جيلاً جديداً من الأطفال يفكّر كما الريبوتات؟
–رسالة الكاتب المقدمة للأطفال يجب أن تعتمد على حرفيّة الكاتب في تقديم هذه الرسالة، لتواكبَ جيلاً جديداً، لا يفكر كما الريبوتات بل يتجاوز كونه رقماً, بل يستعين بما يكنّه الطّفل من معارف أصليّة طبيعيّة بعيدة عن التأثّر بما ساقه له العصر الرقميّ من انجرافات مصّطنعة تقتلُ لمعان الأصالة في نفس الطفل.
ـ هل أنتَ راضٍ عن أدبِ الطّفل اليوم وما يقدّمه الجيل الجديد من الكتّاب، بمختلف الاختصاصات؟ أستطيع أن أقول: ” إن واقع أدب الأطفال اليوم يعاني من مشكلات تكمن حسب رأي في الكتّاب أنفسهم، الكتابة للأطفال دقيقة، على كاتب أدب الأطفال أن يتوخّى الحذر حين يدخل إلى منطقة الطفل فهو يشكل عجينة طريّة تمتص كلّ ما يصل إليها وعليه أن يدرك أنّ الطفل تكوين واع لا تنطلي عليه الأشياء التي لا يصدّقها، هو قارئ وناقد لا يمكن أن يفصح عن شيء لا يؤمن به، وإذا تصفحّنا ما يصدر في أدب الأطفال اليوم نجد أفكاراً تكرر نفسها، لذا واقع أدب الأطفال يحتاج إلى ترميم وإصلاح ومعالجة، و لابدّ من إعادة النظر في أدب الأطفال عندنا وإنقاذه من إيديولوجيّته إلى أفقٍ عصريّ جديدٍ مضيء قادرعلى استيعاب مشكلات العصر، وعلينا أن نزرع في شخصيّة الطفل قيماً روحيّة وإنسانيّة وطنيّة .
-القضيّة اليوم قضيّة طفولة وقضيّة وجود ماذا يقول صالح هوّراي عنها؟
–الاحتلال الصهيوني المجرم بحقّ فلسطين الأبيّة يدرك تمام الإدراك أهمية الطفل العربي أكثر منّا نحن، لأنه يعمل جاهداً لإصابة الطفل الفلسطيني في الرأس مباشرة لكي يستأصل المستقبل الفلسطيني في كلّ طلقة يطلقها، والعدو يدرك أهمية قتل الأطفال لأن الاستيلاء على الأرض وإقامة المستعمرات لا معنى لها ما دام هناك طفل فلسطيني يطالبه في حقّ الشّعب الفلسطيني في الوجود والأرض والتاريخ والهويّة. لذلك يقتلون الطفل وهو صغير خوفاً من أن يصبح مقاوماً.. لذا لن نساوم على طفولتنا ولا على أرضنا. يقول هوّاري في قصيدته « طوفانك يا أقصى لا يشبهه طوفان طلقات بنادقه عامرة بالإيمان ربّ العزّة معنا لا خوف ولا إذعان عن نيل كرامتنا لن نرجع مهما كان .. بالرغم من الأعداء نصرك يا غزّة جاء الحريّة لا تروى إلا بدم الشّهداء لمّا داهمناهم صُبحاً أرعبناهم ولأنّ الأرض لنا بالحقّ غلبناهم كوني يا حرب لنا نوراً وبرداً وسلام ، وعلى العادي كوني ناراً موتاً وزؤام».
بطاقة تعرفة:
الشّاعر والأديب صالح هوّاري عضو اتحاد الكتاب العرب واتحاد الكتاب الفلسطينيين، لم يقف عن الكتابة يوماً ولا عن عطائه الإبداعي، يكتب الشعرللكباروالأطفال لأنه يعشق القصيدة الغنائية التي لا تعني أنها تغنّى وحسب ، بل لأنها في مخزون الوجدان العربي المفطور على الغنائية والشعر العربي في المدح والفخر والرثاء ، وفيها إيقاع يتجاوب معه الإنسان.
أصدر الهوّاري دواوين عدّة منها:
– عصافير بلادي شعر صادر عن اتحاد الكتاب العرب ١٩٨١.
ـ قتلوا الحمام ، ثلاث مسرحيات غنائية للأطفال عام ١٩٨٤ صادرة عن وزارة الثقافة.
ـ هنادي تغنّي، شعر صادر عن اتحاد الكتاب العرب عام ١٩٨٧.
ـ بلادنا، شعر صدر في الإمارات العربية المتحدة ونال جائزة أدب الأطفال في الإمارات.
– هديل الحمام شعر صادر عن اتحاد الكتاب العرب عام ٢٠٠٨ .
ـ سلّة الأغاني شعر صادر عن اتحاد الكتاب العرب عام ٢٠١٣ .
– قطار الفرح شعر صادر عن اتحاد الكتاب العرب ٢٠٢٢ .
أما مسرحيّة «الصيّاد والشبح «فقد صدرت عن الهيئة العامة السوريّة للكتاب وزارة الثقافة .
مسرحيّة «الميزان الأعرج «صدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وهي مسرحيّة للأطفال. الآن، كتاب شعر للأطفال وهو أناشيد وطنيّة بعنوان: « للوطن نغنّي» لا يزال قيد الإصدار.