مضى زمن نتعامل فيه مع الخط عبر أزرار الكمبيوتر لنخط أشكاله المعروفة، بينما تأخذنا الحياة العصرية نتقلب عبرها على إيقاع شاشاتنا، ننسى صرير القلم على الورق، ونتغاضى كلياً عن فنون الخط.
قبل أيام قليلة في الثاني من الشهر الحالي عدنا لنتعاطى مع الخط لكن بطرق فنية تتوافر فيها شروط إبداعية تأخذنا نحو مناخات وفنون الخط اللانهائية.
ملتقى الخط العربي بدورته الـ(11) في الشارقة قدم من خلال مشاركة فنانين من مختلف العالم من بينهم فنانون سوريون نالوا أهم الجوائز، قدموا تكوينات خطية بطرق لافتة أتتنا عبر تشكيلات لانهائية.
عشنا مع بعض المعارض حالات كلاسيكية تختط آيات قرآنية، أدعية، لننتقل إلى أخرى تمكننا من رؤية تطبيقات الخط عبر فخارات أو لوحات جدارية، وصولاً إلى تلك المرآة المقعرة التي حين اجتمعنا أمامها قدمت حالة مغايرة، بحيث كنا نبدو مجرد أحرف كبيرة، تتوه علامات ترقيمنا حسب نظرتنا إلى ذواتنا المعاصرة والتجريب وإحالات الخط إلى لوحة فنية لا تنسى سواء حملت ضمنه تراقيم، وهو عنوان ملتقى هذا العام، أو لم تحمل.
حين تسمع عن اعتماد التراقيم كدلالة يتم الاشتغال عليها، لا تتوقع كل هذه الإحالات الجمالية التي تضمنها الملتقى، ليس الجمال بحد ذاته غاية فقط، بل روح الحرف ودلالته وعمقه، حيث معنى الجملة قد تفيض بها اللوحة، لتقدم لنا حالة وتكنيكاً يمزج بين الأصالة والمعاصرة، لنعبر مع تلك اللوحات التي تضمنتها المعارض نحو فلسفة إبداعية تهتم بالمعنى بموازاة المهمة الجمالية.
الخط العربي فن مستقل بحد ذاته تتنوع براعة الخطاطين بحسب الهندسة الروحية والشكلية للأحرف التي يعتنقها الخطاط وفلسفته الخاصة، ولكن في عصر الذكاء الاصطناعي حيث تتوحد الملامح والخطوط وربما تتشوه المعاني، تأتي أمثال هذه الملتقيات لتعيد لنا عمق الأصالة التي تشجب الروح وتقنع الذهن، وتبعثر كل هذا القبح المحيط بنا.