الثورة _ هفاف ميهوب:
أقل ما يمكن أن يفعله الأدباء والكتّاب العرب، حيال ما يحصل في فلسطين وجنوب لبنان، من قصفٍ وتدميرٍ وإبادة يقوم بها العدو الصهيوني، أن يشرّعوا أقلامهم ليكتبوا بضميرٍ يؤكّد: «الكتابة رسالة يحرُسها ضميرٌ حيّ»..
إنه ما فعله الأديب اللبناني «محمد إقبال حرب» الذي طالب أبناء شعبه، أن يكونوا يداً واحدة في مواجهة عدوٍّ متوحّش، رشقهُ بنيران كلماته التي تقول عن إجرامه ودمويّته:
«إنه شيطانٌ رجيم، ابن الجحيم، ينفثُ حقداً وناراً، ويعشقُ لحم البشر، أشلاء، شواء..
لم أتفاجأ قط بكلّ ما يحصل وما قد يحصل، فالعدوّ شرسٌ بلا أخلاق ولا قيم، ولا يحترم عهداً.. الدمار في أرجاءِ الوطن، من الجنوب الصامد إلى الشمالِ الأبيّ، مروراً بالعاصمة الحبيبة والبقاع الغالي، إلى الهرمل وشمسطار مسقط رأسي.. تتساقطُ البيوتُ تدميراً وترويعاً.. تتقطّع أشلاء أهلنا، تنزف الدماء لتغذّي صمود الأرضِ، وبسالة من بقي حيّاً.
يهرب الناس أشتاتاً، تفنى عائلاتٌ وتتفرّق أخرى، فتبكي الأشجار والأزهار لفراقهم..
أمام هجوم غاشمٌ وشرس، في حربٍ مدمّرة وحشية، مدعومة من أميركا والغرب بالأسلحة والكراهية والحقد، والإصرار على سفك الدماءِ وتدميرِ كلّ أسباب الحياة، لم يعد أمامنا إلا المواجهة بقلبٍ واحد، والصمودُ بجسدٍ واحد متكاتف.. كونوا واحداً أبناء وطني.. ابقوا واحداً..»..
إنه ما فعلته أيضاً، الشاعرة والكاتبة التونسية «حفيظة قاره بيبان».. ذلك أن ما رأته من ممارسات العدوّ الصهيوني الذي تخطّى كلّ الحدود في إجرامه، قد أرّق ذاكرتها وأعادها إلى ماضي «بيروت» التي استرسلت في وصف آلامها، حدّ انتقال هذه الآلام إلى كلماتها:
«هي المدينة «الوردة بآلاف الأنياب».. بيروت المنارة، بيروت المفاجآت، بيروت المقاومة القائمة دوماً من رمادِ الحروب.
زرتها مرّتين، ورغم متعة السفر وغناه، عدت ببعضِ حزنٍ ووجعٍ، يرجعا الآن بقوة، أمام هذا التوحش الأعمى، والجنون المشتعل الذي يسعى إلى تدمير لبنان، وافتراسِ جلّ الوطن العربي، بعد غزّة وكامل فلسطين.
كانت زيارتي الأولى لها عام 2006.. أتيتها بعد الحرب، رغم تحذير عائلتي خشية الخطر.. أتيتها من دمشق.. زرتُ الضاحية الجنوبية، بئر العبد وحارة حريك، حيث دمّر الصهاينة 24 دار نشرٍ عربية. لقد شهدت عن قربٍ، كيف استهدف الدمار نبض بيروت، وكيف قصفَ إحدى أجمل المدن العربية..
مع ذلك، تظلّ بيروت شقيقة قرطاج، منارة الثقافة وعاصمة النشر والأدب والمقاومة.. تظلّ حيّة ومتجدّدة، تقوم دوماً من رمادها، لتحلّق من جديد كطائرِ الفينيق..»..
أديبٌ آخر، هو الكاتب والناقد الجزائري «محمد خطاب» يشعر بعجز الكلمات أمام بشاعة المجازر التي يقترفها العدوّ المحتل، في كلّ من فلسطين ولبنان.. يستدعي قلمه، ليكتب بنزيف حبره:
«لبنان ليس فقط الأدب والفن والجمال، بل هو المقاومة والنضال والتعدّد والحريات، هكذا نتمثّل لبنان.. لبنان التي تحيلنا إلى فلسطين وسورية، والحسّ الذي يتخلّل ذلك تاريخاً وحضارةً وكينونة.. لا غرابة أن نصاب بالحزن الحقيقي على ضياع الأوطان، مثلما أصبنا ولا نزال، بما يحدث في فلسطين التي ورثنا تركة تاريخها، حين اختلطنا طلبة بإخوة لنا من جميع الفصائل، وعشنا معهم حتى باللهجة ونوع الطعام، ورائحة المطبخ الفلسطيني، وبعضهم دفنوا بمقابرنا من شدّة الارتباط.
من أجل هذه القسمة وهذا التاريخ الذي يشاركني فيه أبناء جيلي، سنبقى على حبّ لبنان وفلسطين، هذه الثقافة هي التي تنتصر، وهذه الذاكرة الحيّة هي التي تبقى شاهدة على العزّة والعظمة، ضدّ كلّ هوان وذلٍ وانكسار.. كلّ النصر للبنان ولفلسطين..»..
كثرٌ من الأدباء العرب قالوا كلمتهم، وكثرٌ من الشعراء والأكاديميين، أدانوا ممارسات العدوُ الصهيوني في الوطن الفلسطيني واللبناني، وقد ارتفع صوتهم مندّداً بهذا العدو، وصارخاً في وجهه، كما صرخة الشاعر والأكاديمي العراقي: د. «رحيم الساعدي»:
«لا أعرفُ قتلة للأطفال، أو سارقي أوطانٍ انتصروا على مر التاريخ، بل أعرف أنه مهما طال الوجع سيخزيهم الله، وليس في فلسطين أو لبنان فحسب، بل في كلّ زمانٍ ومكانٍ.. سيخزيهم الله ويذلّهم، كما أخزاهم قديماً في حصونهم الخيبرية.
غداً سيورق الأمل، بالرغم من طغيان الغرب والمحتل.. غداً قيامة دهشة الأطفال، وإغماضة عيونِ الأمهات، وهنّ يحضنّ بقايا وجودهنّ الممزق..».،