الثورة – رشا سلوم:
لا نبالغ إذا ما قلنا إن تجربة الشاعر السوري توفيق أحمد تمثل الآن محطة مهمة في المشهد الإبداعي ليس السوري، إنما العربي بما قدمه عبر رحلته هذه من منجز حقيقي مازال متدفقاً ويزداد ألقا وحضورا ما جعلها محط اهتمام النقاد والمتابعين.
فنجد العديد من الدراسات التي تناولت هذه التجربة بدءاً من كتاب فارس وتخوم وهو عمل نقدي لأكثر من ٥٠ ناقداً وإعلامياً عربيا..الى كتاب توفيق أحمد.. الشاعر .. الشعر.. المرأة..قراءة ثقافية حرة ..تأليف الدكتور أحمد زياد محبك… صدر عن دار بعل بدمشق.
الكتاب يقدم ممارسة نقدية مختلفة عن المألوف في النقد الشعري عبر فصوله ..نقف عند محطات منه ولا سيما المرأة في شعر توفيق احمد يقول محبك ؛
(والعلاقة بين الشاعر والمرأة هي علاقة شعر هي علاقة بذل وعطاء من الشاعر وتضحية وألم وعذاب من أجل أن تفجر المرأة فيه ينابيع الشعر فهي مصدر المعاناة والمعاناة مصدر الشعر) ويؤكد ذلك قوله مخاطبا المراة:
يا انت يا امرأة
قطفت من البحر
من غيمك انهمرت
عصفورة الشعر
وتبدو المرأة هنا خارجة من البحر وقد قطفت منه وما أشبه المرأة هنا بأفروديت وقد صورها الفنان الفلورنسي بوتيتشيلي في لوحة شهيرة تحملها فوق موج البحر صدفة لؤلؤية بيضاء وتدفع بها نحو الشاطىء وجسمها الأبيض يتألق وأفروديت تعني المولودة من الماء وهي ربة الحب والجنس وتروي الأسطورة الاغريقية ان كرونوس أخصى أباه اورانوس بمنجل في يده ورمى بأعضائه المذكرة في البحر فظهر حولها الزبد او الافروس ومنه خلقت أفروديت ثم حملها الموج إلى قبرص وتبدو شبيهة بعشتار ربة الخصب والحب في أساطير شرق المتوسط وبلاد الرافدين، وتشبهها أيضا فينوس في الحضارة الرومانية وهي ربة الخضار والزهور والثمر ولكنها اتحدت بعد ذلك بالغربة أفروديت في القرن الثاني قبل الميلاد.
ان خروج أفروديت من البحر في الأسطورة وقطف المرأة عند الشاعر توفيق احمد من البحر وهطول الشعر من غيوم تلك المرأة، يعني ذلك كله أمومة الماء، فالطبيعة بكل ما فيها هي الأم فالمياه هي الأكثر أمومة، ينقل باشلار عن الباحثة ماريا بونابرت قولها:البحر في نظر الناس جميعا واحد من أكبر الكبار ورمز من أكثر رموز الأمومة ثباتا، ثم يؤكد أننا نحب الطبيعة قبل أن نعرفها لأننا نحب الأم ولأننا نجد في الطبيعة الأم ويؤكد ما ذهب اليه، فينقل كلام الباحثة ماريا بونابرت وهي تقول :لا نحب الجبال لأنها خضراء ولا البحر لأنه أزرق وحتى وان أعطينا هذه الأسباب لانجذابنا فلأن شيئا منا من ذكرياتنا اللاواعية شيئا من البحر الازرق او الجبال الخضراء عرف كيف يتجسد من جديد وهذا الشيء هو منا من ذكرياتنا اللاواعية يخرج دوما وفي كل مكان من ضروب حبنا في الطفولة من ضروب حب هذه التي لم تكن تذهب في البداية الا إلى المخلوقة اولا إلى المخلوقة الملاذ إلى المخلوقة الغذاء التي هي الأم او المرضع.).
الكتاب دراسة جمالية مهمة تضاف إلى ما تم إنجازه سابقا حول تجربة الشاعر التي تستحق الكثير من المتابعة.