يُجمع كل مُطلع ومتابع للشأن العام أن تردي الوضع العام يعود بجزء كبير منه إلى قرارات وإجراءات اتفق على تسميتها بالمنفصلة عن الواقع ، وعلى ما يبدو حتى الآن فإن الحكومة الجديدة تتفق مع هذا الإجماع بدليل أنها بدأت بمراجعة هذه القرارات والإجراءات عبر ورشات عمل مفتوحة على جميع الجهات وكانت البداية بمشروع الإصلاح الإداري الذي رأى البعض أنه أفرغ الجهات العامة من كوادرها وخبراتها وسلبها كل الصلاحيات حتى وصلت إلى ما هي عليه.
بالأمس أصدر رئيس الحكومة تعميمين لتوسيع دائرة صنع القرار من خلال الاستعانة بالكفاءات والخبرات وكذلك عقد اجتماعات مع المعنيين في الاتحادات والنقابات لتوسيع دائرة القرار .
ماصدر من تعاميم خطوة مهمة على طريق الخروج من تراكمات ربما عطّلت بنية المؤسسات ولكن على رئاسة الحكومة أن تكون في المقدمة وقبل الجميع.
من هذا التعميم الجميل على رئيس مجلس الوزراء بداية أن يُفعّل المكتب الاستشاري بالرئاسة’ و أن يُعاد تشكيله بحيث يشمل الإختصاصات جميعها وليس فقط أساتذة الجامعات والمحامين مع الاحترام لهذين الإختصاصين لأن المجلس يناقش مواضيع في مجال الكهرباء والنفط والصناعة والزراعة وإلى ما هنالك وأن يكون مدعّماً بالخبرات ( الشهادة الجامعية لا تعني خبرة بل هي آخر ما ينظر إليه في الخبرة فما نفع الخبرة النظرية إذا لم تتواجد الخبرة في التطبيق العملي).
الخطوة الثانية بعد مجلس الوزراء يجب تفعيل مكاتب استشارية في الوزارات وهنا نأمل أن تباركنا وزارة التنمية الإدارية وتسمح بتفعيل المكاتب الاستشارية بحيث تضم الخبرات التي اضطررنا إلى تحييدها أمام هذا البرنامج العظيم.
الأمر الآخر في المعالجة الذي يجب أن ننتبه إليه بشكل كبير هو الانقطاع الذي تم بالقطاعات الحكومية عن التطورات العالمية وخاصة في المجال الفني نتيجة الحرب و الحصار و المقاطعة الدولية و بالتالي أصبحنا بعيدين عن مجال التكنولوجيا والحداثة ونقل المعرفة، لذلك علينا بتعزير الخبرات بكسر هذا الجمود وإرسال المكلفين ليتم تدريبهم ونقل الخبرات إلينا ولا سيما في القطاعات التكنولوجية حيث أصبح هنالك تقنيات جديدة لم نسمع بها.
يجب أيضاً ان يكون لكل قطاع خصوصيته وهذا يستوجب الانتهاء من تعديل قانون العمل الموحد الذي يُعتبر أحد الكوارث التي أصابت القطاع العام بسورية ، فيجب أن يكون لكل قطاع خصوصيته وتنظيمه وقانونه ، فهل يُعقل أن نساوي بين ساعة عمل إضافي لشخص يجلس في مكتب وآخر في الصحراء على حفارة نفط؟.
لا بد أيضاً من إلغاء المؤسسات التي تحولت لحلقة وسيطة تحكمها البيروقراطية بين الشركات والوزارات لأنها فشلت أن تعمل كهيئات ناظمة للقطاعات كما هو حال الهيئة الناظمة للاتصالات، وللعلم فإن إحداث عدد غير قليل من المؤسسات كان استجابة لاتفاقية الشراكة التي كانت تدرس بيننا والاتحاد الأوروبي وكان هدفها كسر الاحتكار للشركات الكبرى وتجزئة العمل إلى تخصصات أكثر تحديداً وتشكيل مؤسسات على شكل هيئات ناظمة تكون مسؤولة عن منح التراخيص ومتابعة التنفيذ وتشجيع الاستثمار الاحنبي من خلال أنماط تعاقدية جديدة وتحصيل الرسوم ولكن ذلك لم يحصل وانتفى السبب من أحداثها.
أما بالنسبة لتعميم رئيس الحكومة حول عقد اجتماعات ولقاءات مع النقابات والاتحادات فلا أعتقد أن الأمر سيكون له أثر لأن النقابات والاتحادات لخصت دورها تاريخياً بالمطالب ولم يسبق لها أن كانت أجساماً أو هياكل لتقديم خبرات أو اقتراحات وأن أكبر اقتراحاتها كانت مطالب عمالية.
ما بدأته الحكومة من تصحيح لمنظومتها الإدارية بتوجيه من السيد الرئيس بدأ بشكل فعلي بانتظار القرارات ويكفي الحكومة الحالية أن تعمل على إصلاح القرارات السابقة لتحقق النجاح والرضا.
معد عيسى