الملحق الثقافي- عبد الرحمن دبشه:
في متاهات الوجود، تتجلى الطبيعة البشرية كنسيجٍ معقد، يتداخل فيه الخيط الذاتي مع خيوط الآخرين، ليشكّل لوحةً من التناقضات، أحدهم من يحتكر المعرفة كعالمٍ في برجٍ عاجي، مُحاط بمجلداتٍ ثقيلة، لكن روحه تبقى جافة كصحراء قاحلة، معزولة عن نهر العواطف الجارف، أصنفة مع الكائنات التي تعيش في فقاعةٍ من الأنا، غافلةً عن نبض الحياة ومؤثراتها.
تجده يستلقي على سلالم المعرفة بجرأةٍ مُفرطة، مُتخيلاً أنه فوق الجميع، تتعالى صواتهم في محافل النقاش، بينما يختنق الآخرون تحت وطأة غطرسته، إنه يُشبه دمىً تتراقص على أوتار الكبرياء، مُتجاهلاً أن المعرفة بلا حكمة تُعد سلاحاً ذا حدين، يُعزز من انغلاقه بدلاً من توسيع آفاقه، ولو تحدثت عنه في سطوري بصيغة جمع، لكان دون السطورعلى حائط غرفته.
في خضم هذه الفوضى، أولئك الذين يعيشون في عزلتهم، كأرواحٍ ضائعة في عالمٍ غريب، إنهم محاصرون بأفكارهم الخاصة، تُخيل لهم صورٌ مشوهة للآخرين، ويختبرون الوحدة كعقوبةٍ ذاتية، إنهم أشبه بأشجارٍ مقطوعة الجذور، قائمةً ولكن بلا حياة، تبحث عن لمسةٍ إنسانية تُعيد إليهم روحهم المفقودة.
ومع مرور الزمن، ستتلاشى الأصوات الصاخبة، وستبقى تلك الأنواع وحيدةً في فراغٍ قاتم، فهل نحن فعلاً نعيش في عالمٍ متصل، أم أننا مجرد جذور متباعدة في محيطٍ من العزلة؟ هل نملك القدرة على تجاوز حدود الذات لنصل إلى الآخر، أم سنظل أسرى لأنانيتهم وغطرستهم؟
العدد 1211 – 29 – 10 -2024