الملحق الثقافي- كمال الحصان:
إن الدقة في بحث ما يسمى المشروع الصهيوني، تتطلب منا التأمل وتدقيق النظر في كيفية نشوء ما يسمى «الفكر الصهيوني»، والذي قام على أساسه المشروع الصهيوني، الأمر الذي يحتم علينا تسليط الضوء على الظروف والمعطيات والأسباب التي أدت إلى نشوء هذا المشروع، والتي يمكن من خلالها التعرف على طبيعته وأهدافه ومكوناته وأدواته وحقيقته، آخذين بعين الاعتبار، مقولة الفيلسوف الألماني هيغل «إن تحديد تاريخ المشكلة، هو مشكلة التاريخ».
بداية، لا بد لنا من محاولة الإجابة عن السؤال المهم التالي: هل هناك علاقة بين الصهيونية واليهودية …؟ وأصلاً ما علاقة الدين اليهودي السماوي الحقيقي بما يدعيه حاخامات ورموز الدين اليهودي الحالي …؟ وهل الصهيونية هي فكر قومي أساسه الدين….؟ أم هي مجرد مخطط سياسي يستخدم الدين لأغراض سياسية عدوانية واستعمارية ….؟.
الحقيقة أن الإجابة عن هذه التساؤلات تحتاج إلى كثير من التعمق والغوص في الوقائع، نظراً للتشويه والخلط والتزوير، الذي تعرض له الدين اليهودي على مدى التاريخ، ومن قبل اليهود أنفسهم فقد نجحوا في قلب الأمور والحقائق، وتحقيق مقولة أن الصهيونية واليهودية هما وجهان لعملة واحدة، بل أكثر من ذلك، فقد أضيف مع من خلال نهايات القرن التاسع عشر طرف ثالث لهذه المعادلة، المصالح والأهداف هو الإمبريالية العالمية، وبدأ هذا الثالوث المعادي حتى للإنسانية، يمارس مخططاته على قاعدة، أن عدوه الأول هو الأمة العربية، مع أنه لا علاقة عرقية تاريخياً بين يهود ما قبل ثلاثة آلاف عام، مع «يهود» العصر الحاضر، فالحقيقة أنهم عبارة عن مجموعات من البشر، وثنية وعرقية (وخاصة من إفريقيا والخزر)، تهودت بالتبشير وذلك خلافاً لما يعتقده اليهود لدوافع وظروف مختلفة.
وفي كل الأحوال، فإننا سوف نحاول إلقاء الضوء على ماهية المشروع الصهيوني بظواهره الحالية، وبغض النظر عن وجود أو عدم وجود هذه العلاقة.
إن قول بعض المؤرخين الصهاينة والغربيين، إن الصهيونية بدأت مع ما يسمى «حركة «المكابيين التي أعقبت السبي البابلي المزعوم ونادت بالعودة إلى جبل صهيون (القدس) عام 606 قبل الميلاد تقريباً، ما هي إلا مقولة مزورة وملفقة، وقراءة محرفة بتعمد للتاريخ، تسلط رغبات وأوهام يهود أوروبا، على تاريخ جماعات بشرية، انقرضت ولم يعد لها وجود منذ مئات السنين، ولا تصلهم بهم أية صلة، فظهور واستعمال كلمة صهيون»إنما جاءت في التلمود لتدل على المكان ( جبل صهيون)، وليس على فئة أو طائفة من البشر، أو دين من الأديان، هذا أولاً، وثانياً، لأنه كما جاء في كتاب شلومو ساند «اختراع الشعب اليهودي» (السالف ذكره)، فإن يهودية الدم أو ما يمكن أن يسمى الشعب اليهودي، قد انقطعت عرقياً قبل أن يجيء يهود الخزر وغيرهم بالتبشير بوقت طويل، أي إنه لا علاقة لليهود الحاليين بنسل يعقوب أو بني إسرائيل، لأن الصهيونية عبارة عن حركة عنصرية استعمارية غربية طارئة، نشأت مع بداية التحرك الغربي الاستعماري للهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية بشكل خاص، حيث التقت أهداف ومصالح الصهيونية مع الإمبريالية العالمية لخدمة هدف واحد ومصلحة مشتركة، وبذلك يمكن اعتبار أول ظهور لشكل من أشكال الفكر الصهيوني عام 1806م، في الاجتماع الذي دعا فيه الإمبراطور الفرنسي نابليون اليهود لشدهم إليه وكسبهم لمساعدته في احتلال بعض أجزاء الوطن العربي (غزو مصر)، واعداً إياهم بمنحهم فلسطين مكافأة لهم في حال دعمهم له ونجاح غزوته.
إن هذا المشروع، هو في حقيقته أكبر مخطط عدواني استعماري إحلالي موجه ضد الأمة العربية، حاضراً وماضياً، وهو مخطط عابر للزمان والمكان والتاريخ، صمم لينفذ، لصالح الكيان الصهيوني المصطنع، كيان أبقي حتى الآن بلا حدود أو هوية أو دستور، خلافاً لمفهوم الدولة العصرية المعروف، وما ذلك سوى خطة شيطانية، لإبقاء كيانه قابلاً للتوسع والتمدد، والتستر على نياته العدائية، ضد المنطقة كلها.
لقد نما الفكر الصهيوني، حتى استكمل في برنامج بازل عام 1897م، باعتماده مبادئ «النبي عزرا» الثمانية والتي يمكن تلخيص جوهرها في الأسس الثلاثة التالية:
1. إن الله هو الذي اختار العنصر العبري ليكون شعب الله المختار وفوق كل الشعوب.
2. تنفيذاً لهذا الوعد، خرج العبرانيون من مصر، وأنقذهم الله من بطش فرعون، وأهلك كل من بأرض كنعان من أجلهم، وأسكنهم في فلسطين وملكهم إياها.
3. إن الله قد وعدهم وأعطاهم أرض الميعاد من الفرات إلى النيل.
من المفارقات هنا أن القائمين على المشروع الصهيوني، يزعمون أنهم علمانيون، بينما كان همهم الدائم ومازال، فبركة وتلفيق الأسس الدينية للمشروع، ونحن الآن نكتفي بالرد على هذا التزييف وبما قاله مؤرخهم (شلومو ساند في كتابة المشار إليه اختراع الشعب اليهودي) بالحرف: (إن كل ما قيل عن تهجير اليهود بالقوة من فلسطين، بعد تدمير الهيكل هو خرافة، وكل ما قيل عن نقاء العرق اليهودي في المنافي على مدى قرون، بأن كل من عادوا إلى فلسطين، هم من نسل من طردوا قبل ألفي عام ومن هاجر من مصر إلى فلسطين وأقاموا مملكة داوود وسليمان، كل هذا مجرد خرافات).
ونحن نقول، إن كل ما قيل عن الأساس الديني للصهيونية، كانت غايته إيجاد غطاء للأهداف الحقيقية للصهيونية، الذي صار في النهاية يسمى المشروع الصهيوني الأميركي الغربي الرجعي المشترك، والذي يهدف إلى استخدام الديانة اليهودية، كرأس حربة لتفتيت ومحاربة وتقسيم الأمة العربية.
نحن لا نرى، بناء على ما تقدم، أية صلة أو علاقة لليهودية، كدين سماوي بكل هذه الترهات والأوهام والخرافات، والتي لا هدف لها سوى تحقيق مصالح وأطماع استعمارية وعنصرية باتت واضحة للعيان وحتى للعميان…!
منذ أن كان الغرب غرباً والشرق شرقاً، كما يقال، وفي أعقاب اندحار حملات الفرنجة (الصليبيين) من العالم العربي، بدأ الغرب محاولة الانتقام من العرب، بذرائع وحجج مختلفة، وكان أن وجد هذا الغرب في نهاية المطاف، ضالته المنشودة في تبني واصطناع الفكرة الصهيونية وبحيث صارت اللحمة بين الغرب وأميركا والصهيونية متينة لدرجة، بتنا لا نعرف معها أيهم يسير الآخر …؟!
مع أن هذا العدو الذي يدير هذا المخطط العدواني، لديه من الإمكانيات، ما يمكنه من اختراع أداة جديدة في كل يوم، فإنه بالإمكان تعداد الأدوات المساعدة التالية على سبيل المثال لا الحصر:
– الرجعية العربية.
– الطائفية والإثنية.
– الكيانات العربية الوظيفية الحامية والضامنة والمساعدة للكيان الصهيوني.
– خلق ثقافة العداء بين العروبة والإسلام
– تزوير التاريخ.
– محاولة زج الدين في السياسة.
ومن أجل ذلك وبإيجاز، قامت الصهيونية بـ:
– عقد مؤتمر بال بسويسرا (1897م) لإطلاق العمل الفعلي باتجاه تأسيس الكيان الصهيوني.
– إصدار وعد بلفور 1917م.
– توقيع معاهدة سايكس بيكو العربية 1916م.
– اعتماد وثيقة لويس برنار 1983م المقدمة للكونغرس الأميركي.
– تنفيذ حالة الفوضى الخلاقة في المنطقة العربية، وما سمي «الربيع العربي» المؤامرة الدولية ضد سورية.
– اعتماد سايكس بيكو جديدة لتقسيم المنطقة العربية من جديد.
وكل ذلك يكرس الآن، ويجري العمل له، من خلال محاولات تدمير القطر العربي السوري واقتلاع فكره القومي المقاوم من الجذور، لأنهم يعرفون أن سورية كانت على مدى التاريخ قلب الأمة العربية ومحركها ونابضها وقلعتها، والتي صمدت في وجه كل من عادى العرب، أو تآمروا عليها، فكيف إذا أضيف لها، القوة الإسلامية الإيرانية، المؤمنة بالقضية الفلسطينية إيماناً عقائدياً راسخاً، فهي حاملة المشروع القومي العربي المضاد لمشروعهم، بحق وجدارة، فلنشد على يد سورية البطلة، والنصر آت.
العدد 1213 – 12 – 11 -2024