الثورة – رشا سلوم:
قراءات جديدة في النقد الأدبي الذي يجمع بين قراءة المسرح والشعر يضمها الكتاب الجديد الذي صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق وحمل عنوان: “الموت والعمى” دراسة في مسرح موريس ميترلنك، تأليف: نوار طبرة.
ميترلينك وإبداعه
يعد ظهور الشاعر والكاتب المسرحي موريس ميترلينك البلجيكي موطناً، الفلامنكي نسباً، الفرنسي مقاماً وقلماً وأدباً، انتصاراً حقيقياً للمذهب الرمزي، لما قدم من أفكار وأعمال فنية آثرت الأدب الرمزي وحققت نجاحاً باهراً في حينها، كما تركت أثراً كبيراً على المسرح الحديث، فرغم أنه كتب الشعر والنقد والمسرحية إلا انه يعتبر الرائد والكاتب الوحيد الذي يمثل المذهب الرمزي في المسرح بحق، وذلك من حيث كثرة نتاجه ومن حيث نوعية هذا النتاج وأصالته، كما أن له شقين، كتاباته النظرية حول المسرح والمسرحيات التي طبق فيها تلك النظريات.
اسم ميترلينك الأصلي هو موريس بوليدور ماري برتار ميترلينك ولد في عام ١٨٦٢ في مدينة غنت البلجيكية الساحلية وفيها كانت نشأته حتى تجاوز الخامسة والعشرين، وغنت مدينة قديمة من أجمع المدن لخصائص الإقليم، تتحدث جدرانها المسودة من قدمها بالماضي الحافل بالحياة والمزدحم بالذكريات، كما تشتم رائحة الموت والانحلال من الرطوبة المنبعثة من ذلك العدد العديد من القنوات، ثم هي أعمر ما تكون بالأديرة والمصانع في وقت معا، فهي مدينة أهل الصناعة العاملين وأهل الله المتصوفين الزاهدين، فلا غرو أن يكون لهذا الإقليم، بجوه المعتم القائم وبيئته الحسية الصافية، الأثر في حساسية الأجيال المتعاقبة.
مسرح موريس ميتر لينك
ابتعد مترلينك عن العناصر المادية الخارجية في المسرح، وراح يبحث عن مصادر إلهامه ومادته الدرامية في العوالم غير المرئية وغير الواقعية، كالأحلام وما يعتمل داخل النفس والعقل الباطن، فلخص آراءه حول الدراما في كتابه (كنز البسطاء) 1896، وتعتبر تلك الآراء ثورة على المذهب الطبيعي رغم أن ميترلينك لم ينكر فضل العقل والمنطق في تفسير الظواهر الطبيعية على مستوى المقدمات والنتائج والعلة والمعلول، ولكنه أكد أن هناك لحظات يشعر فيها الإنسان أن الحياة لا تقتصر على ما تراه عدسة العلم أو تصوره المعادلات الرياضية وقد يشعر المرء بعدم كفاية الحقائق التي تقاس بالملاحظة الحسية والتجريب، وقد استفاد ميترلينك من نظريات فرويد حول الدوافع الإنسانية والحياة الشعورية واللاشعورية، وإثباته أن الأنا أو الذات الشعورية نقطة ضئيلة في محيط أكبر يقع تحت مستوى الشعور، حيث الأحاسيس والمشاعر التي يتلاقى فيها إنسان العصر الحديث مع إنسان ما قبل التاريخ، إنسان المغاور والكهوف.
وتساءل ميترلينك عن الأحلام: ما معنى اليقظة والوعي إذن، وما دلالة عالم المرئيات والواقع؟ أليست أشباحاً وأوهاماً تتراقص على صفحة الحقيقة، وما الحقيقة إلا لحظات الصمت والتأمل والاستغراق اللحظات التي تنسى فيها. كياننا الفيزيقي، ويتوقف فيها نبض الحياة المحموم الذي يدفعنا للحركة التائهة والجهد الضائع.