الملحق الثقافي- آمنة بدر الدين الحلبي – جدة:
بلغ القتل مداه، على امتداد مساحة العالم العربي، تحت مظلة سوداء، متسترة بظلال الإسلام، والإسلام براء من دماء الأبرياء، سالت كشلالات متدفقة روت كل ذرة من ذرات الأرض المقدسة التي استيقظت ذاكرتها وشعرت أن ما يحدث على أرض بلاد الشام ما هو إلا من تدبير حكام بني صهيون لامتداد أوسع من الفرات إلى النيل وهذا موجود في كتاب بروتكولات بني صهيون.. بقتل وذبح العباد، والاستيلاء على ثروات البلاد، وسبي النساء، واستعباد الأطفال، لأن العنصرية لدى أبناء الأفاعي جزء لا يتجزأ من كيانهم النفسي، وأن العالم بنظرهم مقسَّم إلى «يهود وأغيار». اليهود هم الأخيار، والأغيار هم الأشرار ـ نحن ـ واستباحة حرمات الآخرين أو «الأغيار» جزء لا يتجزأ من تراثهم الديني.
العنصرية تجري في أجسادهم مجرى الدم حين جعلوا الله ذاته ـ تعالى شأنه ـ عنصرياً فوضَّح الأب بولس حنا «5»: إن النصارى يؤمنون بأن الله هو أبو الجميع مجازياً، والمسلمون يؤمنون بأن الله رب العالمين والملك بيده «تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير» سورة الملك1. إلاّ اليهود فلا يريدون أن يكون الإله إلا لهم وحدهم، ولهذا عُرف عندهم أنه «إله اسرائيل». لكن كلنا أحباب الله وخليفته على الأرض، لأن الله خلقنا لإعمارها وليس لفنائها، واليوم الأرض تحتضر من الحروب وانعدام الأمن الغذائي.
عنصرية لا مثيل لها بالعنف والقسوة والذبح والاعتقال والتنكيل التي وصفهم بها القرآن الكريم: «ثم قستْ قلوبكم بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة» سورة البقرة 74 تلك القسوة في معاملة «الأغيار» أي «نحن» لأنها قاعدة مسّلمة عندهم، والأقذر من ذلك، هي عبادة يتقربون بها إلى معبودهم، وعبّر عن ذلك «مناحيم بيجن» في كتاب «التمرد» حين قال مجسداً فلسفة العنف «أنا أحارب، إذاً أنا موجود».
جاءت مذبحة «دير ياسين» في فلسطين في 9.4.1948م أُبيد معظم السكان بوحشية على يد قوات «الأرغون» التي قادها «مناحيم بيجن» وكتب مزهواً بانتصاره الدموي «إن دولة اسرائيل ما كانت لتقوم لولا انتصار «دير ياسين» مذبحة للعُزَّل سُميت بلغة الكيان الصهيوني انتصاراً.
وتتالت المذابح، مذبحة تلو الأخرى، بقتل الأطفال والنساء واعتقال الشباب وتعذيبهم حتى الموت بعنجهية لا مثيل لها كما فعلوا بمذبحة «صبرا وشاتيلا» بمخيمات الفلسطينيين في لبنان والتي لا تزال آثارها شاهداً على إجرامهم، وبعدها «مجزرة قانا» لأنهم لم يشبعوا من إراقة الدماء زعماً منهم أنهم شعب الله المختار.
لأن اسرائيل لن تكف عن أحلامها التوسعية طالما لديها من يضع نصب عينيه القتل أمثال ابن جوريون الذي أكد على العنصرية بشكل أعنف حين قال: إن خير مفسِّر ومعلِّق على التوراة هو الجيش» فكيف يصدقها العالم أنها تسعى للسلام؟؟؟؟!!!!!
بل كيف يصدقها بعض العرب الذين يرونها بأم العين حين تقلدت السواد، وتلثمت به، وجعلته شعاراً لها، وحملت السيف لقطع الرؤوس باسم الإسلام، تحت مسمى «داعش» في وطن الياسمين في شام الحب، وجعلت من النساء سبايا، ومن استطاع الفرار ترك وراءه إرثه وحضارته وبيوته، لتحل هي محله بتغيير ديموغرافي بشع من الشام لبغداد، بعدما أكمل المعتوه الأميركي اغتصابهم بقرار مسخ مثل وجوههم بأن تكون القدس عاصمة لبني صهيون، ومنهم من قال لها «شكراً إسرائيل» وما زال يقول كذلك.
أمام العالم الغربي تسعى إسرائيل للسلام الهزيل، لذرِّ الرماد في العيون، والذي يعطيها أكثر مما يأخذ منها، وتنحني للعاصفة حتى تمر، ثم تحارب من جديد لإقامة «إسرائيل الكبرى» لأن إسرائيل «لا تذعن لقوة المنطق، بل لمنطق القوة» هكذا كان تعاملها حتى مع الله عز وجل! فقد تمرد بنو إسرائيل على تعاليم الله الواحد الأحد حتى شردهم في التيه أربعين عاماً، وسيعودون مشردين بإذن الله عز وجل.
ولم يكن «ابن جوريون» وزملاؤه يتحدثون وفق أمزجتهم واقتناعهم الخاص ولكن «كانوا تلاميذ أوفياء للفكر الصهيوني القديم الذي بعثه مؤسس الصهيونية السياسية ثيودور هرتزل» في كتابه «الدولة اليهودية».
إنهم أبناء الأفاعي سخط الله عليهم حين عاثوا في الأرض فساداً فقتلوا أنبياء الله، ونقضوا الميثاق الذي أخذه الله عليهم، وآذوا موسى وعيسى عليهما السلام كثيراً، على أنهم الشعب المختار وأمة «الكتاب المقدس» معتبرين أنفسهم أولاد سيدنا إبراهيم عليه السلام، وسيدنا ابراهيم براء منهم ومما يفعلون. هذا ما قاله السيد المسيح عليه السلام لليهود الذين قالوا: «أبونا إبراهيم» قال: «لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم» «انجيل يوحنا 8/39».
واليوم تفنن بنو صهيون بالإجرام في فلسطين ولبنان بشكل وحشي لا مثيل له لأنهم مجرمون قتلة يقومون بأعمال الشياطين حين يهدمون بيوت الفلسطينيين ويحرقون أراضيهم لتهجيرهم، وقتلهم وسجنهم، والتنكيل بهم وحرق أجسادهم وهم نائمون بالخيام، واعتقال شبابهم، ونسائهم وأطفالهم وتعذيبهم بشكل إجرامي حقود.
لكن مهما تقدموا بحقدهم ودباباتهم وعربدتهم لن يهنؤوا لأن الأرض ليست لهم، والبحر ليس لهم، وشجر الزيتون ليس لهم، والزيت المقدس ليس لهم، والهواء ليس لهم، والقدس ليست لهم ولم ولن تكون عاصمتهم بلغة رئيس أميركي مجرم، وبيت لحم ليس لهم، وكنيسة المهد ليست لهم سيخرجون عاجلاً أم آجلاً.
ها هو العملاق الفلسطيني انتفض منذ عام ونيف لطوفان الأقصى، فالهامد تحرك، والمارد استيقظ، والريح غيرت اتجاهها بعدما بلغ السيل الزبى، غسل الصدأ عن العقول، وأزال الغشاوة عن العيون ليسجل انتصاره، فاشتعل الرماد الكامن، وامتشقت نساء فلسطين المقاومات سلاح العزة والكرامة لتصرخ بوجه العدو الإسرائيلي ارحل، ذاكرة الأرض استيقظت لانتفاضة الانتصار، بعدما رأت بأم العين كيف عاث عملاؤها فساداً بأرض الشام، وإجرامهم شقّ عنان السماء، ارحل أيها الصهيوني الغادر من كل ركن من أركان أوطاننا، هكذا عبّرت حرائر لبنان وفلسطين وكل نساء العالم اللواتي ارتدين أغصان الزيتون قداسة، وتزيّنَ بكوفيات مزركشات بعبارة لا يمحوها الزمان ولا المكان ـ فلسطين ـ ذاكرة الأرض استيقظت لانتفاضة الانتصار، لـ طوفان الأقصى خرج الشعب بأسره بصوت واحد، وحس واحد وكلمة واحدة لن نبرح الأرض ولن نساوم عليها لو قدمنا كل أطفالنا فداءً لها، والموت لأبناء الأفاعي من بني صهيون.
طوفان الأقصى الذي سيحرر الأرض والعرض من براثن أبناء الأفاعي امتد على مساحة فلسطين وسورية ولبنان والعراق واليمن، حين امتدت يد الغدر لتخمد الصوت الذي فضح جرائمهم ومجازرهم.
امتدت يد الغدر لتفرد العنجهية الصهيونية والغطرسة الإسرائيلية باعتقال وحرق وتدمير وحكومات العالم تمارس لغة الصمت المقيت والغياب عن الواقع إلا من رحم ربي، بل وتمنح المجرم حق الدفاع عن النفس.
عام ونيف والحرب الشعواء تدور بلا هوادة بلا رحمة، بل تسعى بعنصرية لمسح الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه بداية من غزة، وامتدت يدها إلى لبنان لتدمر ما يحلو لها وتقصف ما تريد أمام بعض المتصهينين والعملاء الذين تكالبوا في الآونة الأخيرة واتضحت معالمهم ليشيروا بالإصبع إلى كل مقاوم شرس يدافع عن الأرض والعرض.
فلجأت للاغتيالات وبدأت برؤوس المقاومة الشرسة من خلال حلفائها في البيت الأحمر معتقدة أن تلك الاغتيالات تجبر الفلسطيني المقاوم واللبناني الأشد شراسة على الاستسلام ورفع الراية البيضاء بعدما حرقت الحجر والشجر والبشر.
إن كانت حرائر فلسطين مقاومات شرسات فكيف رجالها ترفع الراية البيضاء، وتستسلم لعدو مجرم غدار، عدوٍ لئيم، عتلٍّ زنيم.
بل خرجن بصوت واحد من فلسطين ككل …من القدس والأقصى وكنيسة المهد وجنين وغزة العزة، غزة هاشم التي ما فتئت تسيل دماؤها وتقدم أبناؤها قرابين من أجل الأرض والعرض. ونساء الجنوب بالعيون الجميلة وبالرموش الخميلة جميعهن خرجن يدافعن ويصرخن بوجه العدو الصهيوأميركي
خرجن الحرائر…
صرخنّ بوجه الاحتلالِ صرخةَ ثائر..
اخرجْ من أرضنا أيها الجائر…
كفانا صمتٌ غربي فاجر …
كفانا عهرٌ سياسيٌّ …
من الشام لبغداد …
لن يكون فينا، بعد اليوم حائر…
القدسُ لنا، وفي كل صرخة شهيد قادر …
بيتُ لحم لنا، وكنيسة المهد للحرائر….
لهيبُ الأرضِ اشتعلَ رمادُها….
كلنا مقاومة وصوتنا الحق الزاخر…
مستعدون في كل المحاور…
وعلى الباغي تدور الدوائر…
العدد 1214 – 19 – 11 -2024