الثورة – ثورة زينية:
اليوم وبعد سقوط النظام البائد لابد من إعادة طرح ملف المدن الحديثة التي تم إنشاؤها في العاصمة دمشق، ولم تكتمل حتى الساعة، كي يتم إنصاف من هدر حقه، وظُلم لمصلحة حيتان الفساد الذي كانوا يستقوون بسلطة النظام البائد.
منع من النشر
حاولنا من على منبر صحيفة الثورة سابقاً طرح هذا الملف بشفافية كون الحقوق المهدورة للمواطنين المتضررين من هذا المشروع كانت كبيرة، إلا أن النشر لم يتم حتى أن رئيس الوزراء السابق في حكومة النظام البائد حسين عرنوس تدخل شخصياً لمنع مادة حول الموضوع من النشر في آخر محاولاتي لطرحه.
هذا المشروع حوّل آلاف العائلات إلى متسولة لحقها بـالسكن البديل، ولا يزال آلاف المتضررين الذين دفعوا، ولا يزالون، أثماناً باهظة لقرارات ظاهرها تنظيمي، وباطنها ينطوي على فساد يقترن بالتخبط والفشل الإداري مشردون بمرسوم تشريعي.
شرائح مختلفة
بداية القصة تبدأ من عام 2012 حيث صدر المرسوم التشريعي رقم 66 من قبل سلطة النظام المخلوع، والذي نص على إحداث منطقتين تنظيميتين جديدتين في نطاق محافظة دمشق، بهدف تطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي حسب المادة الأولى من المرسوم.
المنطقة الأولى:
تنظيم منطقة جنوب شرق المزة، من المنطقتين، وتتألف من المنطقتين العقاريتين- المزة وكفرسوسة- وتمتد على مساحة 214 هكتاراً، وتقررت تسميتها “ماروتا سيتي” وهي كلمة سريانية تعني السيادة، أما الثانية: تنظيم منطقة جنوبي المتحلق الجنوبي، تمتد من جنوب المتحلق الجنوبي إلى القدم وعسالي وشارع الثلاثين، ومساحتها 890 هكتاراً، وتقررت تسميتها “باسيليا سيتي” وتعني الجنة.
السكان قاطنو المناطق المستهدفة قسموا إلى شرائح مختلفة وفق المرسوم، فمنهم من له حقّ في الحصول على أسهم في المشروع الجديد وعلى سكنٍ بديل وبدل إيجار إلى حين استلامه السكن البديل، ومنهم من يحصل على بدل إيجار لأجل محدد، ومنهم من لا يستحق سوى أنقاض بيته بعد هدمه، علماً أن مستحقي السكن البديل مطالبون بسداد أثمان هذه المساكن، ولا يحصلون عليها مجاناً.
من دون إقامة أي اعتبار للظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، باشرت محافظة دمشق عام 2015 بإخلاء منطقة خلف الرازي، ومن أصل 7500 عائلة أخليت من بيوتها استحقت 5500 عائلة سكناً بديلاً، ولم يستلم أحد منزله، في حين بقيت 2000 عائلة من دون تعويض بسكن بديل أو بدل إيجار، بينما سارت الأعمال ببطء شديد لدفع أصحاب المساكن البديلة إلى بيعها لـشخصيات غامضة تعمل عبر واجهات عقارية وبأثمان بخسة.
حرمان من السكن البديل
المادة 45 من المرسوم 66 نصت على “التزام محافظة دمشق بتأمين السكن البديل للشاغلين المستحقين له خلال مدة لا تزيد على أربع سنوات من تاريخ صدور المرسوم التشريعي” عُدّلت لاحقاً بموجب القانون بحيث حُدد موعد تسليم السكن البديل بمدة لا تزيد على أربع سنوات من تاريخ إخلاء المنزل، ورغم ذلك لم يحصل المستحقون على بيوتهم البديلة حتى الساعة، كما حرمت شرائح كبيرة من حق السكن البديل منهم أصحاب المساكن الذين لم يكونوا يشغلونها، أو الذين كانوا خارج البلاد أثناء كشف اللجان على المساكن مجردين من الحقوق، ولا يحصلون حتى على بدل إيجار.
ولعل المشكلة الأساسية للمالكين تتعلق بالقرار 112 للعام 2015، الصادر عن مؤسسة الإسكان آنذاك وتضمن شروط استحقاق السكن البديل، حيث تنص إحدى مواد القرار على أن الإشغال يجب أن يكون مستمراً من تاريخ صدور المرسوم التشريعي حتى الإخلاء، من دون لحظ الحالة غير المستقرة في البلد، واضطرار كثيرين للخروج بسبب الظروف الأمنية.
“دمشق القابضة” واجهة للمُتنفذين
في كانون الأول 2016، أطلقت محافظة دمشق شركة “دمشق الشام القابضة”، استناداً إلى المرسوم 19 للعام 2015، وهي شركة مساهمة وتتولى إدارة وبناء واستثمار المنطقة التنظيمية الأولى الواقعة في المزة خلف مستشفى الرازي، وبموجب ذلك تنقل ملكية العقارات التي تعود للمحافظة في المنطقة إلى الشركة.
إشارات استفهام كثيرة أحاقت بالشركة الجديدة، والغايات الحقيقية من استحداثها، واعتبرها الكثيرون واجهة لمصالح كبار المُتنفّذين الذين اشتروا معظم المقاسم في ماروتا سيتي.
المباشرة بالسكن البديل
في شباط 2021 أعلن رسمياً عن صب الطبقة البيتونية في أول أبراج السكن البديل في مشروع “باسيليا سيتي” بعد أن باتت تتولى إنجازه المؤسسة العامة للإسكان فضلاً عن شركات عامة أخرى.
المحافظة تخالف المرسوم
لقد كان من المفترض إنشاء السكن البديل لكل منطقة في المشروع الذي ستضمه المنطقة ذاتها، أي أن السكن البديل للسكان الذين يُخلون من خلف الرازي سينفذ في “ماروتا سيتي” والسكن البديل للسكان الذين يخلون من المزة وكفرسوسة وقنوات بساتين وداريا والقدم سينفذ في “باسيليا سيتي”.
لكن محافظة دمشق قررت بشكل مفاجئ إنشاء السكن البديل للمنطقتين في “باسيليا سيتي” في مخالفة للمرسوم.
ثبات بدلات الإيجار
ولم تتوقف معاناة السكان عند تشريدهم، بل امتدت لتشمل قيمَ بدلات الإيجار المقدمة لهم، وهي قيم جرى تحديدها وفق تخمينات جامدة محسوبة على أسعار العام 2016، فيما تضاعفت أسعار الإيجارات عشرات المرات منذ ذلك الوقت، وتضاعفت معها البدلات الفعلية للإيجار.
ولا يزال مستحق السكن البديل الذي أخلي من منزل بمساحة 120 متراً مربعاً يحصل حتى اليوم على بدل إيجار قدره 800 أو 900 ألف ليرة سورية سنوياً وقد كان هذا المبلغ يعادل نحو 1500 دولار في العام 2017، بينما باتت قيمته اليوم أقل من 55 دولاراً.
إلغاء الاكتتاب
وخلافاً لقيمة بدلات الإيجار التي استمرت في الثبات، حرصت محافظة دمشق على رفع المبالغ التي تجبيها من مستحقي السكن البديل مقابل مساكنهم الموعودة، وبما يوازي ارتفاعات الأسعار في الأسواق، بحيث يجب أن يدفع مستحق السكن البديل 10% من القيمة التقديرية لفئة مسكنه عند الاستحقاق، و30% عند التخصيص، ويستكمل الباقي بموجب أقساط شهرية، مع احتمال أن يجد نفسه مطالباً بسداد دفعات أخرى حسب مصادر المحافظة.
ولكن المؤسسة العامة للإسكان عدلت المدة الممنوحة لاستكمال مدفوعات التخصيص، فألزمت المُخَصص باستكمال مدفوعاته بنسبة 30% من القيمة التخمينية للمسكن وفقاً للمساحة الفعلية لمسكنه، على أن يتم التسديد على ثلاث دفعات متساوية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التخصيص، وفي حال عدم استكمال المكتتب دفعات التخصيص كاملة خلال المدة المذكورة يلغى تخصيصه ويفقد حقه بتسلسل أفضليته، ويدرج اسمه ضمن تسلسل خاص بالمكتتبين المتأخرين عن تسديد التزاماتهم المالية على أن يسدد الأقساط الشهرية المترتبة عليه، وفي حال عدم الالتزام يلغى اكتتابه.
وفي العام 2020، أُلزم مستحقو السكن البديل بدفع 10% من قيمة السكن البديل، وقدرت مؤسسة الإسكان وقتها سعر المتر المربع بمبلغ 550 ألف ليرة للمتر المربع مع أقساط شهرية تراوح بين 13، و33 ألف ليرة، وفي نهاية العام 2022 تقرّر تخصيص 550 إشغالاً فقط بسعر 3 ملايين و550 ألف ليرة للمتر المربع بزيادة 3 ملايين عن السعر المحدد سابقاً لكل متر، كما تقرر أن ما تم سداده لا يعتبر 10% من المبلغ المستحق كما كان مقرراً، بل هو مجرد 1% من المبلغ المستحق، طبعاً هذا ظلم ومخالف للقوانين، إذ يجب اعتبار أن نسبة 10% مسددة.
وفي مطلع العام 2023، تبلّغ المستحقون ضرورة المراجعة للبدء بالتخصيص واختيار الطابق، وعلى أساس المساحة يدفع مبلغ التخصيص، مع مهلة شهرين أو ثلاثة أشهر للدفع.
وكان قسم من المستحقين قد باعوا حصصهم وأسهمهم نتيجة عدم قدرتهم على دفع الالتزامات المالية المترتبة، وعدم تحديد موعد زمني لتسليم السكن، فضلاً عن تحملهم أعباء مادية بسبب اضطرارهم إلى السكن في شقق مستأجرة لا تكفي بدلات المحافظة لتغطية إيجاراتها.
فرصة للربح
ضمن هذا الإطار، تشكل عقارات السكن البديل فرصة سانحة للربح لأسباب عديدة، على رأسها أن الأسعار النهائية لهذه المساكن ستكون أقل من سواها، لأن محافظة دمشق ملزمة بطرحها بسعر التكلفة أو أعلى منه بقليل، فضلاً عن أن مستحقي بيوت السكن البديل ينتمون جميعاً إلى فئات لا طاقة لها على تحمل الأسعار التي تستمر في الارتفاع تبعاً لتهاوي قيمة الليرة حينذاك، ولربط المحافظة المبالغ المطلوبة بالقيم السوقية الفعلية لأسعار مستلزمات البناء، كما أن الضغوط المستمرة على هذه الشريحة، وعدم الثقة بتسلّم المساكن في المواعيد المزعومة، وانعدام الشفافية، وتنامي الترهل الإداري والفساد، كلها عوامل دفعت الكثيرين من مستحقي السكن البديل إلى بيع حقوقهم، على أمل شراء مساكن في ضواحي دمشق القريبة.
شكلت هذه التغيرات فرصة لفئات أخرى من المستثمرين منها طبقة أثرياء الحرب، وبعض رجال الأعمال المتنفّذين، للدخول على الخط بقوة والاستثمار في هذين المشروعين اللذين سيعودان بأرباح فاحشة، ولو على المدى البعيد.
واليوم وبعد انتصار الثورة السورية والتخلص من عهد الظلم والاستبداد يستبشر هؤلاء المهدورة حقوقهم بالعهد الجديد على أمل استعادة تلك الحقوق والفوز بمسكن يليق بكرامة الإنسان السوري.
#صحيفة_الثورة