هذه لحظة مفصلية في تاريخ سوريا، وفي تاريخ المنطقة كلها، لحظة ضوئية في توقيت السياسة تعيد ضبط ساعة الشرق الأوسط، ما بعد نجاح الثورة السورية تقويم سياسي جديد وليس سوريا جديدة فقط.
السوريون أصحاب التقويم هذه المرة، لا مجال لتدخل المصالح الخارجية بل للدعم، وفي قاموس السياسة لا تعريف لوقوف مجاني بجانب الدول المنكوبة إلا في حالات محدودة، معادلة صعبة لا تتوازن إلا بالعمق العربي، هنا يضيء موقف السعودية وقطر والدول العربية بالدفع بمبادرات لرفع العقوبات، والموقف الأممي والأوروبي تحديداً قد يستجيب، لكن الروزنامة الدولية تفرض الوقت لاعباً سياسياً وأساسياً والرهانات عليه كبيرة، الحديث عن الوقت والمراقبة ثقيل على دولة مثل سوريا كسرت قيد النظام ولا تزال مكبلة بالعقوبات حتى في تشكيل جيش وطني موحد يضمن سلامة السوريين ووحدة أراضيهم.
الإيجابية في المواقف الدولية وخاصة الأميركية لا تكفي لدفع العجلة السورية، يوجد هنا تحديات أكبر أمام القيادة السورية الجديدة من رغيف الخبز حتى أمن وسلامة المواطن السوري وتوازن سوريا بما ينعكس على توازن المنطقة والإقليم، دور الولايات المتحدة كبير بحجم العقوبات التي تفرضها والأحرى بمن ينتظر في البيت الأبيض سلوكاً سورياً معتدلاً ومتوازناً في قيادة البلاد أن يفسح مجالاً للخطوة السورية التي حدثت.
التصريحات القادمة من البيت الأبيض حول الوضع السوري بشكل مباشر قليلة وصامتة وقد تكون أحياناً منقولة عبر قنوات أممية، والاستدارة الأميركية باتجاه السوريين تنتظر الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب.
شخصية الرئيس الأميركي الجديد تفتح كل الاحتمالات، فهو رجل المفاجآت حتى في الداخل الأميركي قلب طاولة الديمقراطيين وفاز بالانتخابات، بعد أن أحاله حتى بعض الجمهوريين إلى التقاعد، غلب كل التوقعات وبمجرد رياح وصوله سارع الجميع إلى لملمة حروبهم حتى في غزة ولبنان، الرجل يضيف على ميزة الحزب الجمهوري الذي يميل للسلام أكثر من الحروب ميزة اللاعب المتمرس يعرف كيف يناكف ويحاور معاً، هو صاحب المقولة الشهيرة ماذا يفعل الجنود الأميركيون في سوريا.
عاد صاحب هذه المقولة وما معها من توازنات لا تسمح لقسد ولا حتى لإسرائيل بطرح معادلات التجزئة بوقاحة في البلاد، وقد يكون التواصل مع القيادة السورية الجديدة عبر قنوات استخباراتية للجم داعش مؤشراً إيجابياً وسحب ذريعة مكافحة الإرهاب فوق نيات التقسيم في الشمال الشرقي لسوريا.
ثمة من يقول إن المشهد ضبابي في سوريا وإن الشرق الأوسط الجديد في طريقه للمنطقة، قد يكون الرئيس بايدن مهد لذلك، أما مع مجيء ترامب لم تعد التجزئة سياسة الرجل القوي، فمحاولات تقسيم سوريا سكين للمنطقة بأسرها، وصاحب اتفاقات ابراهام للسلام لا يبدو مولعاً بنظرية كونداليزا رايس لتفتيت الشرق الأوسط، ليس رجل سلام كامل ولا يميل للحروب المجانية.
لذلك على كل من يتابع أن يقرأ الوجه الأميركي جيداً، والتحرك في خطوطه السالكة للسلام مباشرة وضمن العمق العربي، فرفع العقوبات والوصول إلى السلام الكامل في سوريا يتطلب وعياً مختلفاً مع أميركا أولاً.