أطفالنا ورود مزروعة بين الأفئدة، وعلى موائد الحياة لنا فيهم عبرة.. في حنايا الأمكنة تهمس براءتهم حيرة وخوفاً، وهي تراقب قلق الوجوه الغابرة من حولها، نحسبهم صغاراً غير مدركين لما يجول في خاطرهم.
لكن عيونهم الراصدة تفضح مكنوناتهم، وهم يترجمون قسمات الوجوه البائسة المضطربة من حولهم، بدءاً من آبائهم وأمهاتهم ومن يحيطون بهم.
أطفال سوريا لم يعودوا صغاراً، فقد ودعوا طفولتهم المبكرة منذ زمن بعيد بعدما خطفت سنوات الحرب الظالمة على مدى أربعة عشر عاماً، من وعيهم وذاكرتهم ألوان البسمة وثوب الأمان، فلم يعد الكثيرون منهم على مقاعد الدراسة، بل تشردوا كما أهليهم وذويهم في أصقاع الجغرافية السورية ليحملوا على عاتقهم عبء المسؤولية المبكرة في تأمين قوت يومهم وإعانة أسرهم الذين فقدوا أعمالهم، أو هاجروا في غير اتجاه.
ما جعل أكثر المشاهد بؤساً وتأثيراً هو مزاولتهم لأعمال لا تليق بأجسادهم الغضة حين يفرض عليهم حمل أوزان تفوق قدرتهم في بعض المهن، كما حالهم في الأماكن المزدحمة، وبين الناس ومحال الميكانيك وعلى البسطات وفي الحارات تحت أشعة الشمس صيفاً، وقسوة الطقس شتاء، ناهيك عن استغلالهم أبشع استغلال من قبل ضعاف النفوس وممتهني حرفة الجشع والطمع والإذلال.
هذه الشريحة العمرية يفترض أن تكون مرفهة ومقدرة، ومؤمنة صحياً ونفسياً واجتماعياً واقتصادياً، مكانها حرم المدارس وقاعات الصف ينهلون العلم والمعرفة وآداب الحياة.
ولعل الأهم اليوم أن نبعد أسماعهم أحاديث الخوف وما يجري من مهاترات هنا وهناك، ومفاهيم ومصطلحات تشوش نقائهم الذهني وفطرتهم الصافية من دون شوائب.
#صحيفة_الثورة