الثورة – لميس علي:
بإيقاع هادئ، قدم فيلم “ماريا ــ Maria” إخراج التشيلي بابلو لارين، ونص البريطاني ستيفن نايت، الأسبوع الأخير من حياة الأيقونة العالمية السوبرانو “ماريا كالاس”.
وكأنما تحاشى أصحاب العمل الوقوع في تقليد هذه النوعية من أعمال السيرة الذاتية التي تميل، عادةً، إلى إظهار تحولات دراماتيكية في حياة النجم الذي يتم استعراض حكايته، الأمر الذي اعتبره البعض مأخذاً على “ماريا”، وهو الفيلم الأحدث في مسيرة النجمة الهوليوودية أنجلينا جولي.
يبدو أنه كان خيار فريق العمل بعدم الغوص عميقاً في سيرة مطربة الأوبرا اليونانية “كالاس”، واعتماد خيار تصوير آخر أيامها مع تقديم محطات مختصرة من حياتها عبر تقنية “الفلاش باك”، وبالتالي كان عملاً تعريفياً جال في أجواء نفسية سادت في حياة “كالاس” خلال فترة عمرها الأخيرة.
ومع ذلك لم يبالغ بتوظيف مظاهر سوداوية، وبقي يسعى للتوازن في مقاربة حالة عاشتها نجمة الأوبرا وجسدتها “جولي” بكل اتزان وإتقان. مع أن البعض رأى أنها انسجمت بأداء مشاهد الحزن والبؤس أكثر مما أبدعت بأداء الجانب الآخر من شخصية “كالاس”.
ربما يعود ذلك لكون النص ركّز على المرض أكثر من أي شيء آخر، والذي منعها من الاستمرار في الغناء وجعلها تصل لمرحلة الهلوسات وعدم قدرتها على التفريق بين الواقع والخيال.
لامس العمل كل ذلك دون محاولته نيل استيائنا أو إثارة شفقتنا، وهي ميزة تحسب له، مع عدم نسيان الأداء اللافت لأنجلينا جولي، رافعة العمل الأميز، ولاسيما نجاحها في مشاهد الغناء الأوبرالي ومطابقتها حركة شفتيها مع صوت كالاس الأصلي.
وعلى الرغم من نجاحها في أداء هذه المشاهد تساءل البعض عن سبب اختيارها لتقديم شخصية السوبرانو اليونانية الأشهر. ربما كان ذلك لحالة الشبه من حيث “الجسد النحيف” بين “جولي” وبين “كالاس” في آخر عمرها.. وربما كان لسبب تميّز “جولي” بأداء هذه النوعية من الأدوار التي يسود فيها الجانب البائس والحزين، ما يُعيد التذكير بأداء جولي في فيلم “الاستبدال” وتلعب فيه دور أم بائسة فقدت ابنها، وأيضاً فيلم “عن طريق البحر” الذي لعبت فيه دور زوجة بائسة.
أمّا في “ماريا” فاللمحة الطاغية للعمل تتمثل بتصوير حياة مغنية أوبرا بأواخر أيامها، بائسة لأنها حُرمت من متابعة شغفها/الغناء الذي هو حياتها، ولأنها لم تكن صاحبة خيار ببدء الغناء، فأمها أجبرتها. ولم تكن كذلك صاحبة قرار بالتوقف عن الغناء لأن الثري اليوناني الأشهر أوناسيس الذي أحبّته منعها من الاستمرار بالغناء ثم كان للمرض الكلمة الأخيرة، فقررت أن تكون النهاية كما تريد هي.
من أجمل مشاهد العمل، حين تطلب “كالاس” من صاحب أحد المطاعم أن يوقف تشغيل إحدى أسطواناتها، لتعترف: “لا أستطيع الاستماع أبداً إلى أسطواناتي لأنها مثالية.. والأغنية لا يجب أن تكون مثالية أبداً.. يجب أن تغنى بشكل مختلف في كل مرة”.
يبدو أنها أصبحت غير قادرة على ممارسة شغفها بطريقة مختلفة بكل مرّة جديدة تغني فيها. وكأنها كانت في بحث دائم عن النسخة الأجمل منها ومن صوتها.. وحين لم يعد بمقدورها الاستمرار في بحثها الدؤوب ذاك، توقفت الحياة بالنسبة إليها.
ثمة ملاحظة تمثّلت بذاك الفارق الواضح ما بين حيوية “كالاس” من خلال اللقطات الوثائقية التي ظهرت في نهاية الفيلم، وبين خمود الحياة وانطفائها لدى بطلة العمل.. حتى اللقطات التي بدأ بها الفيلم والتي صورت “كالاس” بأوج نجاحاتها، بقيت بعض الشيء، بعيدة بها عن مقاربة شخصية السوبرانو اليونانية بطريقة “المطابقة”.. وكأن الهيئة الجسدية، نحافة “جولي”، حالت دون تقديم ذاك الجانب المشرق والمبتهج لدى “كالاس” الواقعية.
لم يمنع ذلك “جولي” من التميّز بتقديم حكاية الحزن السعيد ببصمتها الخاصة.
#صحيفة_الثورة