بازار سجاني النظام البائد على رصيف دموع الأمهات.. ابتزاز أهالي المعتقلين والمليارات لجيوب شبكات الإجرام

الثورة – تحقيق عزة شتيوي:

لا تزال الذاكرة شاهد عيان، يحكي تفاصيل الجريمة الكبرى ودرب الجلجلة إلى سجون النظام الساقط.
من نافذة جريدة الثورة بقي المشهد مرسوماً أمام الصحفيين منذ أكثر من 14عاماً، حيث يطلون من مبنى الصحيفة على ساحة دوار الرفاعي في كفرسوسة والتي تحمل اسم الجامع المجاور لها، هناك حيث خرجت منه أولى المظاهرات السلمية في دمشق، من نوافذ مكاتبنا في جريدة الثورة كنا على موعد دائم مع التظاهر يوم الجمعة.

صيحات الحق

انتشار وتأهب لعناصر وقوات النظام الساقط الذي جمع بالإضافة لعناصره البلطجية وعمال المحافظة ومجموعات مما يسمى اتحاد الطلبة ليغلقوا منافذ وشوارع دوار الرفاعي عند انتهاء صلاة الجمعة.
كانت قوات النظام بهراواتها وأسلحتها متأهبة تتغلغل حتى داخل حرم المسجد، ولكن المتظاهرين يصرون على التظاهر، ولم يكن يرهبهم هذا المشهد أو يثنيهم عن صيحات الحق.
وما إن تخرج المظاهرة من الجامع وتهتف للحرية وإسقاط النظام حتى تبدأ المعركة والضرب بالهراوات على أجساد ورؤوس المتظاهرين، وتقوم باعتقال الكثير منهم وجرهم إلى فرع أمن الدولة والأفرع الأمنية الأخرى، ومنها إلى ظلام السجون دون التمييز بين قاصر أو شاب أو حتى شيخ.

ذاكرة الألم

كانت الجلسات بالهمس بين الصحفيين في جريدة الثورة بعد كل مظاهرة تحكي عن قصص الظلم والطغيان.
أب يحضن ابنه الذي يحاول أكثر من خمسة عشر عنصراً من أمن النظام البائد جره إلى سيارة الاعتقال دون جدوى لينتهي المشهد باعتقالهما ملتصقين ودماء الاثنين تسيل على طريق تحرير الوطن.
لم ينته المطاف هنا، فما بعد ذلك، رحلة أخرى لكل المعتقلين من ساحات الوطن ومن شوارعه ومن داخل بيوتهم وأحضان أمهاتهم.
رحلة عذاب وغموض تبدأ من ابتزاز السجان إلى مصير مجهول لم يكشف عنه حتى بعد سقوط النظام!!
رحلة بحث الأهل عن أبنائهم في ظلام السجون تحكيها دموعهم على وجوه الخوف، وكم قدموا من أموال وباعوا من أملاك ليشتروا أملاً يكسر حسراتهم وحرقات قلوبهم على مصير أبنائهم في سجون النظام الساقط، فمن كان يملك مفاتيح ظلم السجون عرض جيوبه في أسواق الابتزاز مفتوحة للأموال مقابل خبر عن معتقل وبأسباب واهية.
ويبدأ بازار لا ينتهي لطمع العناصر والضباط المسؤولين عن السجون، حيث صنعوا ثقوباً في جدران المعتقلات كانت تمر منها المليارات مقابل أن يلمح الأهل بصيص أمل عن مصير أولادهم ويسمعوا أصوات العذاب ثم يحمدون الله أن أولادهم أحياء.

في كواليس الأفرع الأمنية وأمام مكاتب ضباط النظام الساقط كان الكثير من الأهالي يبحثون عن (مفتاح الضابط) أو سمساره الذي يبازرهم لشراء أمل أو حتى خبر عن معتقل أو معتقلة.

شراء الوهم من تاجر السجون

تقول ايمان، وهي زوجة أحد المعتقلين في سجون النظام وهو المهندس محمد عودة  (فلسطيني سوري) ومن سكان مخيم اليرموك أن زوجها دخل إلى المخيم الذي كانوا قد نزحوا منه عام 2013 لإحضار بطاقة عائلية بهدف تسجيل ابنه المولود حديثاً، لكن تم إغلاق المخيم من قبل قوات النظام وحصار المنطقة الذي استمر عدة أشهر حتى حدثت مجاعة في المخيم، وبدأ الأهالي المحاصرون يأكلون العشب، ثم خرج أكثر من 2000 شخص من الأهالي المحاصرين باتجاه حاجز جيش النظام ليكسروا حصار التجويع فكانت المصيبة الكبرى أن جميع من اتجهوا إلى حاجز جيش النظام الذي يحاصرهم اختفوا دون أي خبر عنهم.
تتابع إيمان بحرقه: بدأت رحلة البحث عن زوجي الذي اختفى عند الحاجز في جميع الفروع الأمنية وجميع السجون، وقد تم ابتزازاي بمبالغ مالية كبيرة لكن جميع الأخبار عن زوجي كانت كاذبة ومضللة، فهناك من قال لي إنه تم اقتياده الى فرع فلسطين وهناك من قال لي انه في سجن صيدنايا وهناك من أكد من عناصر السجون أنه يعرف مكانه تحديداً وقد رآه بأم عينه فما كان مني إلا أن أعطيته ما طلب من مال لكي يوصل كيس دواء لزوجي الذي يعاني من مرض قلبي، ولكن دون جدوى  فبعد أن أكد لي الضابط أنه أعطاه الأدوية وأن زوجي بخير ثمة من نفى أن زوجي موجود هناك أصلاً، وأخذني إلى سجن آخر، لتتكرر هذه القصة على مدار سنوات حتى أني اضطررت لبيع كل مدخراتي والاستدانة من الأصدقاء والأقارب مقابل خبر واحد عن زوجي، وكانت المفاجأة الكبيرة والفاجعة الكبرى أنه وبعد سقوط هذا النظام المجرم وفتح السجون وإطلاق المعتقلين كان زوجي من ضمن القوائم التي وجدت وأن تاريخ وفاته تحت التعذيب يعود لعام 2014 أي بعد اعتقاله بأربعة شهور في حين أننا لم نبلغ بوفاته، بل استمروا بإعطائنا آمالاً حتى ساعة سقوط النظام لتكون كل الوعود بزيارة له وكل الأموال التي سخرتها لخبر عنه هي عملية نصب واحتيال يقوم بها عناصر وضباط النظام مع معظم أهالي السجناء.

تشابه الأسماء.. ادفع تخرج!

لم تكن قصة إيمان الوحيدة من بين قصص الابتزاز داخل سجون النظام، فهناك آلاف الحالات في قصص ألف ليلة وليلة للسجان الذي كان يقتل المعتقل إن لم يدفع أهله (دية) إخراجه أو حتى رؤيته، بل يتوسع بابتزازه ليتحول الاتجار بالسجون إلى حالة عامة لا تقتصر على المعتقلين فقط، بل تتعدى ذلك باتباع أساليب أكثر قذارة لكسب المال بحجة أمن البلد، وأحد هذه الأساليب كان تشابه الأسماء.
تلك الظاهرة التي رغم وجودها خلال خمسين عاماً إلا أنها طغت وتفشت بعد العام 2011 فليس من الضروري أن تكون مطلوباً أو معتقلاً، بل أنت في خطر بمجرد أن يكون لك اسم أو تكون ضمن مناطق النظام.

يحكي محمد الحسين قصة أشبه بالنكتة السياسية، فالرجل كاد يغير اسمه بسبب ما تعرض له من ابتزاز على حواجز جيش النظام وفروعه الأمنية فيقول: دفعت ثمن اسمي خمس مرات فكل مرة منها كنت أمر بها على حاجز للجيش النظامي كانت عبارة عن رعب حقيقي، حيث كان يتم اعتقالي على أني مطلوب للجهات الأمنية، وفي كل مرة يتم اعتقالي أعمل على دفع مبلغ مالي كبير لإخراجي بعد أن يتأكد عناصر وضباط النظام أنه مجرد تشابه أسماء، والغريب أنه لا يكفي أن تكون بريئاً أو غير مطلوب، بل الشرط الوحيد كي تخرج هو أن تدفع وبمجرد الدفع تسقط التهمة عنك.
ويختم محمد باستهجان: كان هناك شبكات منظمة للاتجار بالمعتقلين داخل سجون النظام.

نظرة الوهم من شباك القفص !!

فضائح السجون كانت علنية لدرجة أن السوريين الذين غادروا الوطن خوفاً من مزيد من البطش دوّنوا ما حدث معهم في ملفات اللجوء وعلى صفحات الاستغاثة في وسائل التواصل الاجتماعي بعيداً عن عصا الجرائم الالكترونية التي كان يشهرها النظام البائد في وجه من يقول الحقيقة أو يدونها، فكانت صفحات اللاجئين السوريين تنزف ألماً لدرجة أنهم شكلوا مجموعات ومواقع تعنى بفضائح السجون في عهد النظام الظالم، فموقع (ليش اعتقلتني) يحكي الكثير من الوجع لعشرات الآلاف من المعتقلين، حيث وجد به اللاجىء السوري أحمد محمود الحولي مكاناً ليوثق ماجرى معه.
يقول هذا المواطن الذي ينحدر من محافظة دير الزور ومن سكان ﺣﻲ التضامن بدمشق:
شاهدت الكثير من الانتهاكات والاعتقال بحق المدنيين والمطالبين بالحرية ورأيتهم كيف يضربون الناس بالبندقية والهراوات حتى الموت، ثم يحتجزونهم في مباني تابعة لمحافظة دمشق القريبة من دوار كفرسوسة.
وما جرى معي أنه في عام 2012 بدأت حملة أمنية كبيرة على حي التضامن واعتقلوا والدي واقتادوه إلى جهة مجهولة.
ويتابع أحمد: بحثت كثيراً عنه، وسألت كثيراً ودفعت الكثير من الأموال، وفي عام 2012 كان مجرد السؤال يكلف 5000 ليرة، وكنت أجتمع يومياً بواحد أو اثنين من عناصر النظام للحصول على معلومة، ثم أدفع له حساب الطاولة في المطعم بعد أن يطلب ما لذ وطاب، بينما أنا أغص بدموعي، ثم جاء أحد العناصر وطلب مني 300 ألف ليرة سورية وملابس لوالدي وطلب مني الحضور إلى أوتوستراد العدوي لاستلام والدي مقابل المبلغ فحضرت، ومعي المبلغ وكيس الملابس الجديدة وباكيت حمراء طويلة لوالدي المدخن.
وصلت في الموعد المحدد، الساعة العاشرة صباحاً عند مشفى دار الشفاء تحديداً، وبعد انتظار دقائق وقفت سيارة أمامي ونزل منها أربعة مسلحين تقدم إلي أحدهم وطلب مني تسليم النقود، وعندما سألته عن والدي قال إن علي انتظاره عند الساعة السادسة مساء في ساحة العباسيين.
ذهبت إلى الساحة المذكورة وانتظرت كثيراً، ولكن والدي لم يأت، والهاتف الذي أتواصل معه أصبح مغلقاً.
بعد عدة مكالمات كان يتم بها إخباري أن هناك اشتباكات حصلت وأجلت مجيئه.
هاجرت بعيداً، وكانت فاجعتي بوالدي كبيرة حين رأيته في صور قيصر ميتاً عارياً، أوجعني كثيراً أنه مات، وهو يشعر بالبرد.
ويتابع أحمد: أعرف الكثير من الحالات من النصب والاحتيال مقابل خبر عن معتقل، بسبب رحلة العذاب في البحث عن والدي، فمثلاً إحدى الأخوات وصلت لدرجة أن أحد العناصر قال لها إن هذا ابنك في القفص، والقفص لمن لا يعرف هو السيارة التي تنقل المعتقلين بين السجون والمحكمة، ودفعت ثمن رؤيته 400 ألف ليرة، ونظرت فلم تره من النافذة الصغيرة، لكن العنصر أكد أنه هو، وكذب عينَي المرأة وأخذ المبلغ تحت ضغط التلميح والتلويح بتعذيبه.

أخبار ‎(المندس)…دفعت ديّة الكلمة !!

اعتقال الكلمة وتطويعها كان أبرز وسائل النظام لدفن الحقيقة فكان النصيب الأكبر من التعذيب في السجون للصحفيين، والشواهد كثيرة، تدلنا عليها التهم الجاهزة (وهن عزيمة الأمة)، العنوان الأبرز الذي حيكت تحته كل قصص اعتقال الصحفيين، وهناك من ضاع منهم في غياهب السجون.
وهناك من كان ينجو بعد أن يدفع كل أمواله ويسخّر كل علاقاته للخروج، أو يتم الإفراج عنه خوفاً من تحويل قضيته إلى قضية رأي عام.

واللافت أن حكاية الصحفيين الناجين تعكس كم كان النظام يخاف من كلمة الحق لدرجة أن لونا الشبل كانت تشرف بنفسها على اعتقال الصحفيين وترهيبهم، وربما لكثرة معاناة الصحفيين قد يسرد الصحفي الناجي قصته بنشوة انتصار كلمته على جبروت السجان، كما هو حال الصحفي معمر فيصل النهار، الذي التقته صحيفة الثورة، وكان لافتاً أن سقوط النظام قد محا الكثير من ذاكرة الألم والتعذيب الذي تعرض له في سجون النظام لترتسم الابتسامة على وجهه، وهو يقول: انتصرت الثورة، وهذا الأهم.
‎الصحفي معمر النهار تحدث عن اعتقاله مرات عدة من قبل قوات النظام ويعتقد أن أبناء الجولان العربي السوري، وهو منهم استهدفوا بشكل خاص لأن مظاهرات تجمعاتهم، خاصة في العاصمة دمشق كانت تخرج تحت مسمى أبناء الجولان الذي باعه النظام فتعرض للاعتقال مع أبناء منطقته بشكل جماعي وخرج بعد أن دفع الكثير من الأموال.
وتابع: تمت متابعتي وكانت أول مداهمة لمقر جريدتنا من ميليشيا لحزب الله، حيث قاموا بمصادرة طابعة وجهاز كمبيوتر ولاب، وتم اعتقالي وضربي وتعذيبي، ومن ثم أفرج عني بعدما دفعت الكثير من المال.

وتحدث عن جريدته (أخبار المندس)، وكيف كان يوزعها في ظروف أمنية مرعبة في دمشق وبعض المحافظات، وأنه استوحى الاسم من المستشارة الرئاسية في النظام الساقط بثينة شعبان حين وصفت المتظاهرين بالمندسين.
ووصلت  الجريدة إلى منزل بثينة شعبان بشكل خاص، وضمن ظرف كتب عليه شكراً لك.
يقول النهار: بتاريخ 12 أيلول 2011 اعتقلتني وزارة الداخلية، واقتادوني إلى إدارة الأمن  الجنائي وبقيت 57 يوماً تحت التعذيب، وتم إخراجي بطلب من المكتب الصحفي لجامعة الدول العربية التي كان وفدها المراقب موجوداً في دمشق حينها بعد أن تمكن أهلي وأصدقائي من الوصول إليهم، وتتالت الاعتقالات التي كانت تنتهي بالوساطة ودفع المال. وكان اخر اعتقال عام 2018 وأفرج عني بعد تدخل عشائر من الجولان، حيث دفعت 8 ملايين ليرة للخروج.

مليارات الدولار مقابل وهم أو جثة!

نظام مجرم وفاسد ترك حقبة مؤلمة دونتها عذابات السوريين على جدران السجون، وقدرت المبالغ المالية التي حصلت عليها شبكات الابتزاز الأمنية في النظام البائد بحوالي مليار دولار للفترة الممتدة بين 2011 حتى 2020 وهو الحد الأدنى بحسب رابطة صيدنايا التي نشرت تقريراً حول كيفية عملية الابتزاز، وقالت إنه يبدأ بإرسال المال مقابل معلومات أو إشارات شحيحة عن المعتقل المفقود، وعندما لا يعود لدى «الزبون» ما يقدمه؛ فإما أن يتم الإفراج فعلياً عن المعتقل وإما أن يصبح الرقم خارج التغطية.

آخر الأخبار
كليمنتس: العديد من اللاجئين السوريين يرغبون في العودة لبلدهم عدوان نتنياهو على الجنوب السوري.. وتحالف إيران والمشروع الصهيوني الخفي بازار سجاني النظام البائد على رصيف دموع الأمهات.. ابتزاز أهالي المعتقلين والمليارات لجيوب شبكات الإج... ترحيب عربي بمؤتمر الحوار الوطني: خطوة مهمة لإعادة بناء سوريا مستقبل سوريا والتحديات الخمسة الحاسمة كيف استجاب المبدعون وواكبوا نصر السوريين؟ باعت خاتمها لتأسيس مشروعها.. الأسعد لـ"الثورة": المرأة السورية لا يمكن لليأس أن يصلها نحو رؤية وطنية تؤسس للمرحلة المقبلة.. مؤتمر الحوار الوطني يبدأ أعماله في دمشق الرئيس الشرع أمام مؤتمر الحوار الوطني: سوريا لا تقبل القسمة وتحتاج قرارات جريئة تعالج مشكلاتها تضم بقايا عظام حوالي 20 ضحية اكتشاف مقبرة جماعية في قبو بمنطقة السبينة بريف دمشق الأوروبيون: ملتزمون بتعزيز أمن أوروبا وإحلال السلام الدائم في أوكرانيا مؤسسات تعليمية وتربوية واعية لبناء الدولة.. القاسم لـ"الثورة": خطى حثيثة للنهوض بواقع التعليم في حلب لماذا النساء راضية عن الرئيس أحمد الشرع؟ مدارس درعا بلا مازوت..! حوار جامع ومتعدد أرباحه 400%.. الفطر المحاري زراعة بسيطة تؤسس لمشروع بتكاليف منخفضة المحاصيل المروية في القنيطرة تأثرت بسبب نقص المياه الجوفية الخبير محمد لـ"الثورة": قياس أثر القانون على المواطن أولاً قوات الآندوف تقدم خمس محولات كهربائية لآبار القنيطرة إحصاء أضرار المزروعات بطرطوس.. وبرنامج وصل الكهرباء للزراعات المحمية