الثورة – غصون سليمان
اعتدنا منذ صغرنا لذاك المشهد الاجتماعي الذي يعكس الكثير من سلوك المودة والمحبة والشعور الإنساني النبيل، فعندما يتقاسم الجيران مع بعضهم لقمة الطعام على موائد الشهر الفضيل يكون للطعام نكهة خاصة بطعم الطمأنينة وراحة البال، فهما معيار السعادة الخفي في داخل النفوس المحبة.
ولعل الأجمل في هذا الطقس الرمضاني الجميل ما يسمى بالسكبة وهي عبارة عن صحن من الطعام المحضر حسب الطبخة الرئيسة، يوزع بين الجيران وأهل الحي، ما يجعل موائد الرحمن عامرة من دون تمييز بين غني وفقير داخل المنازل، وقد تكون مائدة الفقير أوفر حظاً من غيرها لطالما ترصدها العيون والنفوس المحبة.
تذكر إحدى الصديقات بعدما غيب الموت والدها المعيل قبل عشر سنوات تاركاً أمها، ربة المنزل وأخوتها الصغار الخمسة الذين مازالوا قيد النمو والدراسة في مراحلهم الإبتدائية والإعدادية وتواضع الحالة المادية.. إلا أنه في كل عام مع قدوم الشهر المبارك تتسع أبواب العطاء لتمنح ما تيسر بما تجود به النفوس.. لتجعل من صفة رمضان الكريم مائدة عامرة ومباركة بما جاد به الآخرون من البيئة المحيطة، ما خفف عن عائلتها أرق التفكير بإعداد الطعام على بساطته.
فالسكبة الرمضانية بكل مدينة وبلدة لها طقوسها وشهرة بعضها من أنواع الطعام والشراب وخاصة في الشهر المبارك، الذي تشتهر فيه عادة السكبات كطقس اجتماعي تختلط فيها أنفاس المنازل بساكنيها وروح عيشها التي يتم تداولها بين الأقارب والجيران، حيث اعتادت ذاكرتنا منذ الطفولة أن تلبي طلبات الأم أو الجدة على إيصال صحن الطعام إلى أكثر من جار، وخاصة الطبخات المميزة.
اليوم ومع ظروف الحالة المعيشية الصعبة لاشك أن هذه العادة الرمضانية الجميلة تقلصت إلى حد ما واقتصرت على المساحة الضيقة، فلم تعد القدور بحجمها ولونها، نتيجة الغلاء والظروف القاسية وضعف القدرة الشرائية لدى العوائل والأسر السورية، ورغم ذلك مازالت تسري تلك النكهات على استحياء بين مستحقيها.
#صحيفة_الثورة