يتبادرُ إلى ذهني في هذه الأيام مقولة “إنّ الفكرة حملها سهل لكن ميلادها أليم”، وخاصة إن شبّهنا الفكرة بِجمرة، كفكرة الحريّة التي قبعت طويلاً في أدمغة التّواقين للانعتاق من الاستبداد، ككلمة الحقّ التي كانت حبيسةٌ في حناجر الأحرار تنتظرُ ليُطلق سراحها كما يحلو لها من دون قمعٍ أو سِياط أو حارس بوابة ينتظر الوقت اللازم لمعاقبة من ذروا قمح أبجديّتهم.
فها أتت الذكرى الرابعة عشرة لانطلاق الثّورة السوريّة يتبرعمُ فيها القمح في ربيعٍ يشهده شرق سوريا وشمالها، جنوبها وغربها يقبع في قلبِ الأحرار جمر الكلام، يُعبّرون عمّا كانوا يرنون له، يزيحون السّتار عن مسرح الجريمة الذي كنّا ضَحاياه، نعرّيه بأسلوبٍ ثقافيّ فنيّ موسيقيّ نكتب عن الحريّة ونناهض القتل، نتوق للانصهار بمفرداتٍ نلدُ منها وطناً آمناً معافى لا يجوع فيه طفلٌ ولا يموت على حدوده طيرٌ ولا تُحرقُ من غيظه شجرةً.
لن يَخمد جمرُ الكلام حتى يشكّل من غضبه مبدأ حياة، ومن لون دمه القاني قرابين سلام، ومن سواد جرحه سكينة روح تبحث عن طمأنينتها في نور الفضيلة والاعتراف بالذّنب أنّنا قرأنا كثيراً ولم نقرأْ ذواتنا جيّداً، ولم نتخطّ ونتجاوز ما يعيقُ تقدّمنا، دعونا نمشي على جمرِ الجّراح حفاة.. يؤلمنا هذا المسير لكن لا سبيل لنا إلا أن نسلكَ الدّرب معاً لنعبر كل هذا الحطام كربيعٍ يحتفي بجمراته الثلاث لنُخرج من صدورنا جمر الكلام وتغدقُ عيوننا كينبوع حياة تطفئ نار الحقد بدمعة الرحمة وتنعم بالأمان والسّلام.