ثورة أون لاين-د.خلف علي المفتاح: مرت شعوب المنطقة العربية بأشكال متعددة من الاستبداد منها استبداد القوى الاستعمارية بأشكاله المختلفة وما استتبعه من استبداد أنظمة قمعية وديكتاتورية قام المستعمر نفسه بتنصيبها وتركيزها في مفاصل السلطة . ليتمكن من خلالها أن يستمر بسيطرته وسطوته وتحكمه بتلك الشعوب ونهبه لثرواتها وخيراتها
ويضمن بشكل نهائي دورانها في فلكه السياسي وتموضعها في استراتيجياته الكونية كأدوات سياسية يستخدمها ساعة شاء ويلفظها عندما تستنفد وقودها وتصبح عبئاً على سياساته وخططه ويحاول بعملية خداع واضحة تخليه عنها بل ربما المطالبة بتغييرها ليستبدل عميلاً فاقد الصلاحية بآخر يحاول أن يجعل منه بطلاً أو منقذاً عبر إجراء عملية غسيل سياسي وتلميع إعلامي محكم الإتقان. وإذا كانت تلك المجتمعات في الحالتين السابقتين أمام استبداد تم بإرادة الغير سواء كان بشكل مباشر أم غير مباشر، إلا أن أخطر أنواع وأشكال الاستبداد من وجهة نظرنا هو ذلك الذي يأتي عبر آلية ديمقراطية بحيث تتحكم أكثرية سياسية منظمة لها تاريخها وتنظيماتها وقاعدتها الشعبية بالحياة السياسية وهي التي عرفت بأيديولوجيتها الالغائية القسرية التي تتعامل مع الحاضر المتجدد بأدوات الماضي وهو ما يخالف منطق الأشياء وحركة التاريخ. إن الكل يعلم أن الذي قاد الحركات الجماهيرية في كل من تونس ومصر كان مزيجاً من قوى سياسية وشبابية وتيارات ليبرالية وقومية وغيرها، ولكن القوى الإسلامية المنظمة بتلويناتها هي التي استطاعت أن تشكل الحاصل السياسي لذلك الحراك عبر استثمارها لمقولات الديمقراطية التي جاءت بها القوى الليبرالية ومستفيدة من كثرتها العددية وتجذر نشاطها السياسي المنظم.
إن الرهان على تجربة مستقبلية لقوى ترفض قبول الآخر ويعول على اندماجها في قلب ومضامين العملية الديمقراطية قياساً على تجارب في دول أخرى هو من وجهة نظرنا رهان خاسر، لأن الارهاصات الأولى لمجمل السلوك الذي بدأت نتائجه تظهر على الواقع السياسي لا تبعث على مزيد من التفاؤل بالمستقبل، والخوف كل الخوف ان يتم التحول من استبداد خارجي وتسلط ديكتاتوريات نصبتها قوى خارجية إلى استبداد فكري ذريعته وحجته أنه نتاج ممارسة ديمقراطية حرة ونزيهة، إنه الاستبداد الثالث؟
khalaf.almuftah@gmail.com