الثورة – مها دياب:
التسامح والتعايش ليسا مجرد شعارات نرددها في المناسبات، بل أصل من أصول ديننا الحنيف، وضرورة من ضرورات بقاء الأمم.. وفي سوريا التي كانت عبر التاريخ نموذجاً للعيش بين الأديان والمذاهب، تبرز هذه القيم اليوم كحاجة مُلّحة لإنقاذ الوطن من براثن التفتيت والدمار.
التسامح رسالة ربانية
يقول خطيب جامع عين حور في ريف دمشق الشيخ حسين مرعي لـ”الثورة”: إن التسامح رسالة سماوية قبل أن يكون مطلباً اجتماعياً، فقد جاء الإسلام ليؤكد على قواعد التعايش بين البشر جميعاً، بغض النظر عن أديانهم أو أعراقهم، كما جاء في قوله تعالى: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.
وأكد أن جميع المعتقدات عاشت في ظلّ الدولة بكرامة، وكانت لهم حقوقهم الكاملة، لأن الإسلام أمر بحمايتهم وضمان حريتهم الدينية، ورفض الإكراه في الدين بقوله تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”، فالإيمان يعتبر قناعة قلبية، لا تفرض بالقوة.
واعتبر مرعي أن سوريا، بمدنها العريقة، كانت دائماً نموذجاً للعيش، ففيها عاشت جميع الطوائف جنباً إلى جنب، وتشاركت الأفراح والأتراح، لكن اليوم، نواجه محاولات لتحويل الاختلاف إلى خلاف، والتنوع إلى صراع، فالوحدة في التنوع، وسوريا بكل مكوناتها لوحة فسيفساء، كل لون يزيدها جمالاً، وإذا حاولنا إزالة أحد الألوان، فقدنا روعة الصورة.
دور العلماء والمفكرين
وبيّن أن دور العلماء والمفكرين مهم جداً، في هذه المرحلة، فهم قلب المجتمع النابض بالفكر والمعرفة، ودورهم يتجاوز مجرد البحث والتأليف إلى التأثير الإيجابي في الوعي العام، من خلال تعزيز ثقافة الحوار البنّاء، ويمكنهم إرساء قواعد التفاهم والتسامح، ما يساعد على مواجهة خطاب الكراهية، وإطفاء نيران الفتنة قبل أن تمتد وتحرق الجميع.
وأشار إلى أن الوحدة الوطنية لن تتحقق إلا بخطوات عملية، منها: غرس قيم التسامح في مناهج التعليم، وتعريف الأجيال بتاريخ سوريا المشترك، محاربة الخطاب الطائفي في الإعلام، وإبراز نماذج التعايش الناجحة، ضمان حقوق جميع المواطنين دون تمييز، ومحاسبة كل من يحاول إثارة الفتنة، وضرورة الحوار الديني، وتعزيز اللقاءات بين علماء الأديان والمذاهب، لنشر ثقافة القبول بالآخر.
وأكد الشيخ مرعي أن المحبة أقوى من الكراهية، والبناء أصعب من الهدم، والتسامح ليس ضعفاً بل قوة، والعيش المشترك ليس خياراً، بل مصيراً إذا أردنا لسوريا أن تنهض من جديد.