عبد الرحمن مطر لـ ” الثورة”: أبي.. كان حارس اللغة ومعلّمي الأول في الكتابة

مجتمعنا ينظرُ إلى تلك “الشّجاعة” على أنها ضربٌ من الحماقة أو الجنون

حوار أحمد صلال – باريس:

الكتابة ولدت معه كدافعٍ بل حاجةٍ إلى التعبير، فكانت البدايات عند الأديب عبد الرحمن مطر لحظة حيّة ناطقة، اللحظة الفاصلة بين الطفولة والصبا، حين كان يجول بين الكتب في مكتبة والده الشّاملة، ويتعرّف إلى العالم بدهشة مكتشفاً حروفه، وحكاياته، هناك تذوّق القصائد، إلى حدّ الافتتان.

حاورته صحيفة الثورة، ليحدثنا عن عوالم شخصيته الأدبية فكان لنا معه اللقاء التالي:

– كيف ارتكبتَ الكتابة؟ كنتُ في الثانية عشرة أو أقلّ، أقرأ كتاباً لجورج سالم توقفتُ عن القراءة، وقلت في نفسي، ألا أستطيع أن أكتب شيئاً كهذا؟ لا أعرف ما الذي حرّك كموناً خبيئاً في داخلي.. لكنّني كتبتُ نصاً مسرحياً، ثم آخر.. قبل أن أسمع بمسابقة للشعر، أو الكتابة ربما، وجائزتها مقدّمة من الكاتب عبد السلام العجيلي، أضمومة من مؤلفاته، ثم كتبتُ قصيدتي الأولى عام 1972، مهداة إلى القدس، وحين اكتشف أبي شغف الكتابة، قال: إنه يتوجّب عليّ حفظ عشرة آلاف بيت من الشعر، كي أصبح شاعراً، ثم قادني إلى المركز الثقافي، وقدّم كفالته لعضويّة المكتبة، رماني حيث أحببت، تركني ومضى، يقرأ لي من بعيد ويوجه بعض النصح الحذر، من دون أن يتدخل، سوى في النحو بصرامة مرعبة!

كان حارس اللغة، ومعلمي الأول في الكتابة

لعبت عوامل وأسماء دوراً مهماً في نمو وتطور تجربتي الشعريّة، أولها: الأنشطة الثقافية التي كان ينظمها المركز الثقافي، في الأدب والمسرح والسينما، والتشكيل، رفدت وأغنت ذائقتي الأدبيّة والفنيّة، وعبرها تعرفتُ إلى عالم الثقافة والأدب.

ومن الأسماء، نزار قباني، الذي زارنا في بيتنا غداة أمسيته الشّهيرة في الرقة عام 1978ربما، وشجّعني على الكتابة، ثم علاقتي بالراحل إبراهيم الجرادي، فتعرفت إلى الحركة الأدبية في سوريا.

– الشيء الذي أعلى من شأنك، مواجهة الطغيان في معتقلات القذافي والأسد، وحكم إعدام لم يكن بعيداً، فكيف واجهته؟

إن كان لي شأنٌ عليّ، وفقاً لتعبيرك، فإنه في المقام الأول يعود إلى التعلّم والمعرفة، وإن مواجهة الطغيان، هو موقف مبدئي تأسّس معرفيّاً لديّ عبر ممارساتي في الكتابة والحياة، وتجسّد أخلاقياً في استمرار الالتزام به، على الرغم من الظروف القاهرة التي ألمّت بي، فما شهدته بلادنا من تسلط نظام ديكتاتوري خلال ما يزيد على نصف قرن من حكم الاستبداد الأسدي، وما يحيله ذلك إلى مصادرة الحريّات، وممارسة القمع، ونشر الخوف والرعب، فإن العمل الثقافي- المدني، يشجع على مواجهة الخوف بالحقائق، وعلى تجاوز الرعب بالمعرفة، وبسبب شجاعتي، في إبداء رأي، تعرضت للاعتقال، والملاحقة والتضييق، والإقصاء، كان ذلك في سوريا بالثمانينات قبل أن أغادرها مكرهاً، وفي ليبيا حيث التقيت الوجه الآخر للأسديّة الخبيثة، وبعد قيام الثورة السوريّة أيضاً، وفي غالب الأحيان كانت مجتمعاتنا تنظر الى تلك “الشجاعة” على أنها ضربٌ من الحماقة أو الجنون، أو كليهما معاً.

خطان متوازيان

– بين الصحافة والأدب، لأيهما كنت مخلصاً أكثر؟

لكل منهما سحره الخاص وغوايته، دخلت إلى الصحافة من باب الأدب، وفي كليهما، بقيت تحت مظلّة الهواية، وإن تشكلت هويتي الثقافيّة، بالانضواء مهنيّاً حيناً في رواق الصحافة، وحيناً في البحث العلميّ والدّراسات الثقافيّة والسياسيّة، غير أنّ الصحافة أخذتني لسنواتٍ من الأدب، ولم تلبث الظروف أن ساعدتني في العودة إليها، تلك الظروف لم تكن سوى “السجن” الذي استعدتُ عبره العالم الأدبي، ولجأتُ إليه في تلك المحنة لتجاوزها، ومن أجل التعبير عنها.

الكتاب والشعر خطان متوازيان، مختلفان لكنهما يتقاطعان، ففي سنوات اللجوء، أتيحت لي الابتعاد عن عالم الصحافة، والاقتراب أكثر من الأدب، غير أن ذلك، لا يزال التزاماً متعثّراً بسبب ظروف الحياة في المنفى.

عدو الإنسان

– قضيت ردحاً من الزمن في المعتقل غير قادر على ممارسة النتاج الإبداعي، هل أنت نادم على خياراتك؟ لم تتبدل مواقفي، أو تتغير مبادئي تجاه القضايا الأساسيّة من التي شكّلت صورتنا وهويتنا، وهي محور اشتغالنا وهمنا الثقافي والسياسي والاجتماعي، قضيّة الحريّة، حريّات الشعوب في تقرير مصيرها، والمشاركة في صنع القرار، كانت ولا تزال واحدة من قضايانا المبدئية.

وقد جاء الربيع العربي، لتتجذر أكثر، وتعطينا قوة دافعة للمضيّ بعزيمةٍ.

فالديكتاتوريّة والاستبداد هما عدو الإنسان، ومانع تقدّمه لذلك، أناصبهما العداء، وأعمل لهدم بنيانهما، وإزالتهما، كما الاستعمار.

ما زلتُ متمسّكاً بذلك، على الرغم من خساراتي المؤلمة، لكنها لا شيء أمام التضحيات الكبرى للسوريين، وللبشريّة عامة، لستُ نادماً على ذلك، وإن عاد بي الزمن، لما بدّلتُ أو غيرتُ، فقط لكنت حشدتُ كل وقتٍ من أجل العلم والمعرفة، فهي ما يمكننا من مواصلة النضال من أجل الحريّة وقهر الاستبداد الذي ألمّ ببلادنا ونكبها.. لستُ نادماً، ولن أكون!

مدينة الروح

– كيف جسدت الرقة؛ منشأ المخيلة الطفولية في نتاجك؟

الرّقة حاضرة في نتاجي الأدبي، أستعين بتفاصيلها، دروبها وسماواتها وحكايات أهلها، والأحداث التي جرت لها، وفيها.

وهي تشكّل معيناً خصباً لا ينضب لمخيلة تبحث عن مكانتها بين الحروف.

منذ البدء ظهرت في نصوصي الشعريّة، حتى أنّني في البدايات كتبتُ بضع قصائد باللهجة المحليّة، لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ثم أقلعتُ عن ذلك.

والرّقة، حاضرة في الرواية أيضاً بصورة مباشرة، أو إلماحاً إليّها.. هي مدينة الروح، والذكريات، هي الحياة الباقية فينا، وسوف تبقى متوهجة نبضاً وهواء، فراتاً، حباً.. وأرقاً.

– بين معتقلات القذافي وبشار الأسد؛ أيهما أكثر طغياناً كمعتقل ومثقف شاهد على هذه الحقب السوداء؟

كلّهم طغاة دمويّون، وهم أعداء الإنسانيّة برمّتها وليس شعوبهم فحسب، ولا مفاضلة بين مجرمين عتاة، لا يمكن الحديث عن القذافي والأسد الصغير، من دون أن نشير إلى بئر العفونة التاريخي للديكتاتورية العربية، وهم الطغاة الآباء الذين أسسوا لهذا الخراب العميم الذي نعيشه اليوم، وهم حافظ الأسد وعبد الناصر، وكلاهما أسسا لعقود من القهر والقمع، تجذرت نتائجها في حياتنا العامة.

القذافي لم يكن سوى تلميذ في مدرسة (ناصر والأسد)، وهما من قدما له العون التام في إنشاء أجهزة المخابرات، وفي بناء استراتيجية أمنية، لحكم المجتمع بالحديد والنار.

وعن تجربتي في المعتقلات والسجون السورية، لا تستحق الذكر، أمام التجارب المريرة لآلاف السوريين، في تدمر وصيدنايا، وسواهما، وتأكد “أن ثلاث ساعات، في معتقلات النظام الأسدي، تعادل عشر سنوات من الاعتقال والتعذيب والقهر في سجون القذافي”.

بطاقة تعريفية:

الكاتب والصحفي السوري عبد الرحمن مطر، لجأ إلى كندا عام 2015، من مواليد الرقة 1960، درس علم الاجتماع في الجامعة المفتوحة في ليبيا.

شاعر وروائي، عمل في الثقافة والإعلام في سوريا وليبيا.. ومن ثم في تركيا، وهو باحث في العلاقات الأورو- متوسطية، وقضايا حقوق الإنسان، وناشط في قضايا الحريات والمجتمع المدني، مؤسس ومدير مركز دراسات المتوسط، والمنتدى الثقافي السوري المتوسطي (منتدى النورس الثقافي)، المدير التنفيذي ونائب رئيس رابطة الكتّاب السوريين.

آخر الأخبار
محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا  حملة شاملة لترحيل القمامة من مكب "عين العصافير"  بحلب بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية  كيف حول الرئيس الشرع رؤية واشنطن من فرض العقوبات إلى المطالبة برفعها؟ ٥ آلاف ميغا واط كهرباء تعزز الإنتاج وتحفز النمو  المعرض الدولي لقطع غيار السيارات.. رسالة نحو المنافسة باستخدام أحدث التقنيات   "صحة وضحكة" .. مبادرة توعوية لتعزيز النظافة الشخصية عند الأطفال من رماد الصراع إلى أفق المناخ.. فلسفة العودة السورية للمحافل الدولية  إنجاز دبلوماسي جديد لسوريا في مجلس الأمن