الثورة – سيرين المصطفى
شهدت المحافظات السورية، عقب سقوط نظام المجرم بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر عام 2024، انطلاق سلسلة من المبادرات الخدمية والتطوعية، كان الهدف منها تحسين الواقع اليومي للناس وتجاوز آثار الحرب، في مشهد عبّر عن إصرار السوريين على تجاوز المحن بالإرادة والعمل الجماعي.
وفي هذا الإطار، أُطلقت مؤخراً حملة لإزالة الأنقاض من المشفى الوطني في مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، ضمن جهود لإعادة تأهيل هذا المرفق الحيوي الذي ظلّ خارج الخدمة لسنوات.
وجاءت الحملة بالتعاون بين عدة جهات مدنية ومحلية، ضمن خطة أشمل لإعادة الحياة إلى القطاعات الخدمية والطبية في المدينة.
وفي تصريح خاص لصحيفة “الثورة”، أوضح يوسف عبد العال، مدير منطقة جسر الشغور، أن الحملة تمت “بتوجيه من السيد محمد عبد الرحمن محافظ إدلب وبالتعاون بين إدارة المنطقة وبلدية جسر الشغور والدفاع المدني والمنظمات والفرق التطوعية، حيث أطلقنا حملة إزالة الأنقاض من داخل المشفى”.
وانطلقت أعمال الإزالة يوم الثلاثاء الموافق لـ 20 أيار/مايو الجاري، واستمرت لمدة أسبوع كامل، حيث تم ترحيل الأنقاض بشكل كامل، وتهيئة المبنى للخطوات القادمة من إعادة التأهيل والترميم.
وأكد عبد العال أن العمل اكتمل بشكل ممتاز خلال المدة المحددة، مشيراً إلى أن الحملة كانت بمثابة بداية لمشاريع مستقبلية تحفّز روح التعاون وتوقظ الوعي المجتمعي.
وأضاف: “كانت المشاركة جيدة وترتقي للتطلع لبناء مستقبل مشرق بالتعاون والتكاتف، خاصة أن بلدية جسر الشغور وفرق الدفاع المدني وعدداً من المؤسسات والفرق التطوعية وعدداً من أهالي المنطقة بشكل عام شاركوا في هذه الحملة”.
وأشار إلى أن الهدف من الحملة لا يقتصر فقط على إزالة الركام، بل لتسليط الضوء على أهمية المشفى، وجعله جاهزاً لإعادة تأهيله في حال توفر الدعم اللازم.
وأكد أن العملية لم تشهد صعوبات تُذكر، بسبب التشاركية العالية بين كافة الجهات، بمن في ذلك الأهالي الذين قدموا جهودهم ومعداتهم وإمكاناتهم.
وتابع عبد العال: “لقد لاحظنا أثناء هذه المبادرة أن المجتمع ككل قد تولد عنده حب التعاون في مجال النهوض لتحسين الواقع العام.”
وعن الحالة الإنشائية للمشفى، قال: ” لقد قمنا وبإشراف مهندسين مختصين بفحص وتجهيز دراسة كاملة عن المشفى من السلامة الإنشائية للبناء حتى التكلفة لإعادة التأهيل، بعد إجراء الدراسة عن المشفى بشكل كامل تبين لدينا أن نسبة الضرر في البنية الإنشائية لا تتجاوز السبعة بالمئة من كامل المشفى”.
ويمثل المشفى الوطني في جسر الشغور المنشأة الطبية الوحيدة القادرة على تغطية حاجة المنطقة، لا سيما في ظل بُعد المشافي الأخرى، ما يشكل خطراً على حياة المرضى ويزيد الأعباء المادية.
وقد كان يخدم شريحة واسعة من السكان تمتد من ريف جسر الشغور الشمالي حتى دركوش، ومنطقة الضهر، مروراً بخربة الجوز، بداما، الناجية، سهل الغاب، وجبل الزاوية حتى أريحا والجبل الوسطاني بالكامل، وفقاً لـ عبد العال.
ويضم المشفى أقساماً متعددة، منها: داخلية؛ رجال ونساء، عناية إسعافية، عناية مشددة، جراحة عامة، جراحة نسائية، أطفال، حواضن، غسيل كلية، إسعاف، أشعة مع طبقي محوري، مخابر، أذنية، عينية، وعيادات خارجية.
وفي ختام تصريحه، عبّر عبد العال عن تطلعهم للانتقال إلى المرحلة التالية من المشروع في أقرب وقت ممكن، فور توفر الدعم اللازم لذلك.
رغم فظاعة ما مرّت به مدينة جسر الشغور، كبقية المدن السورية، فإن مشهد إزالة الأنقاض من المشفى الوطني هو تعبير صريح عن روح لا تُكسر.
بعد سنوات من الاستهداف المتعمد والتهميش، يتكاتف أبناء المدينة مع الجهات المحلية والمتطوعين لإعادة الحياة إلى هذا المرفق الطبي الحيوي.
الحملة الأخيرة لم تكن مجرد عمل هندسي، بل كانت تجسيداً لإرادة جماعية تتحدى الموت، وتُعيد إحياء الأمل في واقع أكثر إنسانية.
وبينما تنتظر المدينة الدعم اللازم لاستكمال تأهيل مشفاها الوطني، يبقى مشهد العمل التشاركي فيها رمزاً لسوريا القادمة: سوريا يُبني فيها كل شيء من جديد، بإرادة شعبها.