الثورة – ناصر منذر:
تأتي زيارة السيد الرئيس أحمد الشرع إلى الكويت، في ظلّ التحولات المهمة التي تشهدها العلاقات السورية- العربية، بعد سقوط النظام المخلوع، حيث عمدت القيادة الجديدة، بعد انتصار الثورة، إلى بذل جهود حثيثة لترميم علاقات سوريا مع محيطها العربي، كخيار لا بديل عنه لمواجهة التحديات المشتركة في المنطقة، وتكتسب هذه الزيارة أهمية بارزة في هذه المرحلة، التي تحتاج فيها دمشق إلى تضافر كل الجهود العربية، لتمكينها من ترسيخ الاستقرار، وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي.
مسار جديد
ومنذ انتصار الثورة، بدأت العلاقات السورية-الكويتية تأخذ مساراً جديداً يعيد ترميم ما انقطع من جسور التواصل بين البلدين، بسبب سياسات النظام البائد، حيث قطعت الكويت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السابق في عام 2012، وأغلقت سفارتها في دمشق، وتجلى المسار الجديد بترحيب الكويت بانتصار الثورة، وتهنئتها للشعب السوري بهذا الانتصار، قبل أن يلتقي الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب، مع وزير الخارجية الكويتي عبدالله علي اليحيا و الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، في الثلاثين من كانون الأول 2024، وكان الشرع يومها يتولى منصب قائد الإدارة السورية الجديدة.
وخلال مؤتمر صحفي بدمشق مع الوزير الشيباني، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، أكد وزير الخارجية الكويتي حينها، أن زيارته لدمشق هي “رسالة تضامن خليجية” معها، داعياً المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات عن سوريا.
وقال اليحيا: إن زيارته تأتي “ضمن جهود مجلس التعاون الخليجي لتعزيز أواصر التعاون مع سوريا”، وإن زيارته تحمل رسالة تضامن خليجية مع سوريا وتؤكد أن أمنها جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار المنطقة، ودعا المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا، وشدد على أن الزيارة تجسد دعم دول التعاون الخليجي للشعب السوري، وتفتح صفحة جديدة من التعاون الإقليمي البنّاء، وفق ما ذكرته وكالة كونا حينذاك.
تعزيز التعاون
وفي 31 كانون الثاني، بعث أمير دولة الكويت، سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، برقية تهنئة إلى الرئيس الشرع بمناسبة توليه منصب الرئاسة، معرباً خلالها عن تمنياته للرئيس السوري الشرع بالنجاح والتوفيق في مهامه، مؤكداً على تطلعه الدائم لتعزيز التعاون الثنائي في كل المجالات.
وفي الخامس والعشرين من شباط الماضي، رحبت دولة الكويت بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وأعربت وزارة الخارجية الكويتية في بيان عبر حسابها الرسمي على منصة (X) عن أملها بأن يُسهم انعقاد هذا المؤتمر في تحقيق طموح وآمال الشعب السوري، وأكدت على موقف دولة الكويت الداعم لوحدة سوريا وأمنها واستقلالها وسلامة أراضيها.
وعقب تشكيل الحكومة السورية الجديدة في الثلاثين من آذار الماضي، أعربت وزارة الخارجية الكويتية عن ترحيب دولة الكويت بإعلان تشكيل الحكومة، متمنية لها “السداد والتوفيق في تحقيق تطلعات وآمال الشعب السوري في العيش بأمن وأمان وازدهار”.
وأشارت وزارة الخارجية الكويتية في بيان لها، نقلته وكالة كونا للأنباء، إلى تطلع دولة الكويت للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة للانتقال بالعلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين إلى آفاق أرحب وتعزيزها في مختلف المجالات.
تطورات إيجابية
وفي السابع عشر من نيسان الماضي، أكد وزير الخارجية الكويتي، خلال كلمة ألقاها في اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي مع دول آسيا الوسطى، في العاصمة الكويتية، بأن سوريا تشهد تطورات إيجابية، مؤكداً على استمرار مجلس التعاون الخليجي بدعمها على كل الصعد.
وقال اليحيا: إن “الساحة السورية تشهد تطورات إيجابية، في ظلّ استمرار الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها بما يحقق تطلعات الشعب السوري”.
وفي السادس عشر من أيار الماضي، استقبل الرئيس الشرع في قصر الشعب وفداً من رجال الأعمال والمستثمرين من دولة الكويت الشقيقة برئاسة بدر ناصر الخرافي لمناقشة المشاريع الاستثمارية في مجالات البنية التحتية والاتصالات.
كما بحث وزير الطاقة المهندس محمد البشير مع وفد استثماري كويتي، آفاق التعاون في مجال مشاريع الطاقة والبنية التحتية. وذلك في إطار تعزيز التعاون بين سوريا والكويت في مجال الاستثمار والطاقة، وجهود تعميق الشراكة الاقتصادية وزيادة حجم الاستثمارات المشتركة، بما ينسجم مع رؤى التنمية المستدامة بين البلدين.
ومؤخراً، رحبت وزارة الخارجية الكويتية بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، مشيدة بالجهود السعودية في هذا المسار، ومعتبرة أن هذه الخطوة تفتح المجال أمام سوريا للعودة إلى مسار التنمية والتعافي.
كما جدّدت الكويت دعمها الكامل للسيادة السورية ووحدة أراضيها، مؤكدة التزامها بالعمل مع الحكومة السورية الجديدة لتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
علاقات متجذرة
ومن هنا، فإن العلاقات السورية الكويتية، هي متجذرة بين الشعبين الشقيقين، لاسيما أن ثمة علاقات اجتماعية مميزة بين الجانبين تأصلت خلال القرن الماضي، وعززت المصاهرة بين العائلات في البلدين.
ولاشك في أن قيادة البلدين ستسارعان للبناء على هذه العلاقات وتطويرها، لاسيما في المجال الاقتصادي والاستثماري، بما يؤسس لعلاقات اقتصادية قوية وراسخة.
ويحسب لدولة الكويت، أنها ساندت الشعب السوري منذ بداية ثورته ضد سياسات النظام المخلوع، ودعا الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مراراً إلى وقف العنف وإيجاد حل سياسي شامل.
رسالة وفاء
وبعد انتصار الثورة، تم رفع العلم السوري الجديد على مبنى السفارة السورية في الكويت، وذلك في الرابع والعشرين من كانون الأول عام 2024، وأكد حينها القائم بأعمال السفارة السورية لدى الكويت تميم مدني في تصريح لجريدة الرأي الكويتية أن رفع العلم جاء بعد تنسيق بين السفارة والجهات المعنية في دولة الكويت، فيما تسلمت الجريدة الكويتية حينذاك، “رسالة وفاء وشكر من أبناء الجالية السورية لدولة الإنسانية دولة الكويت الحبيبة»، أكد خلالها تميم مدي، باسم الجالية، أن هذا الإنجاز يحمل في طياته رسالة شكر وامتنان لشعب الكويت وحكومته على مواقفهم الإنسانية النبيلة ودعمهم المستمر للثورة السورية منذ اندلاعها قبل 14 عاماً، مشيراً إلى أن هذا الحدث ليس مجرد مناسبة بروتوكولية، بل هو تعبير عن العلاقات الأخوية التي جمعت الشعبين الكويتي والسوري في أصعب المحن والظروف.
وذكر أنه منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، كانت حكومة الكويت من أوائل الدول العربية التي وقفت بجانب الشعب السوري في محنته، فقد دعمت القضية السورية في المحافل الدولية، وسعت لإيصال صوت الشعب السوري ومعاناته إلى المجتمع الدولي.
مشيراً إلى أن الكويت لعبت دوراً رئيسياً في التأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي يضمن العدالة للشعب السوري ويحفظ حقوقه.
منوهاً باستضافة الكويت لـ 3 مؤتمرات دولية للمانحين، تحت مظلة الأمم المتحدة، لجمع التبرعات للشعب السوري، وتمكنت هذه المؤتمرات من جمع مليارات الدولارات التي استخدمت في تأمين الغذاء والمأوى والرعاية الصحية لملايين اللاجئين السوريين.
لا شك في أن زيارة الرئيس الشرع إلى دولة الكويت، ستدفع نحو تعزيز العلاقات وتطويرها، على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والتنسيق المستدام بين البلدين الشقيقين، على قاعدة تعزيز وخدمة مصلحة الشعبين الشقيقين، وبما يخدم أيضاً المصالح العربية وقضايا المنطقة.