الثورة – حسين روماني:
منذ نشأتها، لم تكن الدراما السورية مجرّد إنتاج بصري ترفيهي، لطالما لعبت دوراً موازياً في تشكيل الوعي، وطرح الأسئلة المسكوت عنها، ومقاربة الواقع الاجتماعي والسياسي بجرأة أحياناً، وبذكاء رمزي أحياناً أخرى.
ومع التحولات الجذرية التي تمرّ بها البلاد اليوم، ولاسيما في مرحلة ما بعد الانفراج السياسي وتحوّل المزاج العام نحو التغيير، يعود السؤال الأهم إلى الواجهة: أين يجد الفن حدوده في التعبير؟.
اليوم، ومع انطلاق مسارإعادة بناء مؤسسات الدولة والمجتمع، ظهرت أنماط رقابيّة جديدة، تختلف في شكلها عن تلك التي اعتدناها لعقود، رقابة تشجع الفن الملتزم والمسؤول، وتطمح إلى أن تكون شريكة فيضبط الإيقاع الثقافي، لا أن تتحوّل إلى أداة منع أو قمع، والتطبيق على أرض الواقع فرصة لاكتشاف ما يلزم للوصول إلى الصيغة المناسبة لخلق نوع من الثقة المتبادلة والمنطقة الآمنة بين الإبداع والرقابة.
في المقابل، لم يتراجع الحضور الجريء لبعض الكتّاب والمخرجين الذين رؤوا في هذا المناخ الجديد فرصة نادرة للتعبير عن ملفات ظلّت مطموسة لسنوات من الفساد إلى هشاشة البنية الاجتماعية، مروراً بالهوية، والانتماء، والذاكرة الجمعية، وهي قضايا لا يمكن للأدب أو الدراما أن تتجاهلها إذا أرادتا مواكبة التحوّلات الكبرى التي تعيشها البلاد.
لكن يبقى التحدّي الحقيقي في إيجاد صيغة جديدة للتفاهم بين الرقابة والمبدع، صيغة تقوم على الشّراكة لا الخصومة، وعلى وضوح المعايير بدل الالتباس.
فالنقد لا يعني التحريض، والجرأة لا تعني الفوضى، كما أن الحفاظ على القيم لا يعني تجاهل الواقع أو تجميله.
ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل أثر المنصّات الرقميّة التي فتحت الأبواب أمام محتوى متحرّرمن الضوابط التقليديّة، إذ بات الجمهور نفسه أكثر انتقائيّة ووعياً..
هذا ما يفرض على الجهات الثقافية الرسمية تطوير أدواتها، ليس فقط في المتابعة، بل أيضاً في احتضان التجارب الشابة، وتوسيع دائرة الثقة مع صنّاع المحتوى. سوريا، التي تدخل اليوم طوراً جديداً في سرديّتها، بحاجة إلى خطاب ثقافي يعكس هذا التحوّل، والدراما، كأداة تأثير جماهيري واسعة، يمكن أن تكون جسراً للحوار والمصالحة، أو وسيلة للتعبيروالتنوير، بشرط أن تتاح لها المساحة الكافية لتتطور بحرية مسؤولة.
إن الاستثمار الحقيقي يكمن في بناء علاقة ناضجة بين المؤسسات والمبدعين، علاقة تُدرك أن الفن، حين يُحترم، لا يُخيف أحداً، بل يفتح باباً لفهم أعمق لواقع نطمح جميعاً إلى تغييره نحو الأفضل.