” سويفت ” مفتاح تقني لعولمة المال السوري هل أصبحت سوريا مهيأة لتكون بيئة مالية قادرة على المنافسة..؟ !
الثورة: هني الحمدان
تعيش سوريا محطات مفصلية في تاريخها الاقتصادي، عنوانها الأبرز “إصلاح المنظومة المالية” وإعادة فتح النوافذ التي أُغلقت بفعل أكثر من عقد من الحرب والعقوبات والعزلة.
في هذا السياق، تبرز تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر حصرية حول اقتراب عودة الربط مع نظام المدفوعات العالمي “سويفت”، وإطلاق خارطة طريق لإعادة هيكلة القطاع المالي، كإشارات أولى على نية رسم مسار أكثر انفتاحاً وواقعية.
لكن هل تكفي هذه الإجراءات لجذب الاستثمارات الأجنبية؟ وهل أصبحت سوريا مهيأة فعلاً لتكون بيئة مالية قابلة للتنافس على رأس المال العابر للحدود؟ أسئلة مشروعة تتطلب قراءة هادئة ومتأنية للوقائع والتحديات والفرص.
منذ فصل البنوك السورية عن شبكة “سويفت” عام 2012، عانت البلاد من عزلة مالية خانقة. التحويلات أصبحت باهظة أو غير ممكنة، وتعطّلت التجارة الخارجية، وتحوّلت المعاملات المالية إلى مسارات غير رسمية محفوفة بالمخاطر.
اليوم، إن صدقت الوعود بعودة الربط خلال أسابيع، فإن ذلك سيمثل نقلة نوعية – ليس فقط على المستوى المصرفي، بل في إعادة ربط الاقتصاد السوري بالمنظومة الدولية.
“سويفت” ليست مجرد وسيلة تقنية، بل ضمانة للشفافية والمطابقة، وعنصر ثقة حاسم في أعين المستثمرين، لكنها رغم أهميتها، لا تكفي وحدها، إنها أشبه بمفتاح الباب، لكن الداخل ما زال بحاجة إلى ترتيب.
إصلاح القطاع …من الشكل إلى المضمون
ما أعلنه المصرف المركزي عن مراجعة القيود التنظيمية، وتفعيل دور البنوك كوسيط مالي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تتطلب ما هو أبعد من إعادة هيكلة إدارية أو إطلاق منتجات جديدة.
القطاع المصرفي السوري يعاني من مشكلات مزمنة: ضعف رأس المال، فجوة في الكوادر المؤهلة، تقادم في الأنظمة، وغياب أدوات تمويل حديثة كالصيرفة الرقمية والتمويل التشاركي. أكثر من ذلك، فإن غياب المنافسة الحقيقية وضعف العلاقة بين المصارف والقطاع الإنتاجي جعلا من البنوك أدوات لحفظ الودائع لا لضخها في السوق. المطلوب اليوم ليس فقط تحديث البنية التقنية، بل إعادة بناء الثقة بين المصارف والمجتمع، وبين النظام المالي المحلي ونظرائه في الخارج حسب رأي الخبير الاقتصادي محمد السلوم للثورة.
رغم الحديث عن “رفع جزئي للعقوبات” وتصريحات عن تخفيف مرتقب، إلا أن الواقع ما زال قاتماً. العقوبات الأمريكية والأوروبية، خاصة قانون “قيصر”، ما زالت تشكّل قيداً فعلياً على التحويلات والتمويل وحتى استيراد المعدات والخدمات التقنية الحيوية.
تصريحات الدكتور حصرية التي دعت إلى “تنفيذ شامل لا عشوائي” لخطوات رفع العقوبات، تعكس وعياً بأن البيئة الاستثمارية لا يمكن أن تزدهر تحت ظل الحذر القانوني والقيود التمويلية. ومن دون إطار دولي واضح لتخفيف العقوبات، فإن أي محاولة لجذب رأس المال الأجنبي ستبقى رهينة الوعود.
إصلاح القانون لا يكفي
من المنتظر أن يصدر قريباً قانون جديد للاستثمار. وعلى أهمية الخطوة، فإن التجارب السابقة علمتنا أن النصوص لا تكفي لجذب المستثمر، بل يجب أن تقترن بواقع إداري وقانوني ومؤسساتي مشجع. المستثمر لا يبحث فقط عن الإعفاءات، بل عن بيئة مستقرة، جهاز قضائي موثوق، حرية حركة الأرباح، سرعة في الإجراءات، وشراكة واضحة مع الدولة أو القطاع الخاص. غياب الضمانات القانونية، وبطء فض النزاعات، وتبدل التعليمات، كلها عوامل فرّغت القوانين السابقة من مضمونها.
إن بناء الثقة الاستثمارية يبدأ من استقرار السياسات، ووضوح الأولويات، والتخلي عن المعالجات الانتقائية لصالح منظومة اقتصادية عادلة وشفافة.
السؤال الحقيقي الذي يواجهنا اليوم: هل سوريا باتت بيئة جاذبة لرأس المال الأجنبي؟ الجواب لا يكمن في اللوائح فقط، بل في الشعور العام بالثقة، في الداخل والخارج. الثقة بأن التغيير حقيقي، وأن الأموال ستكون في أمان، وأن العقود ستُحترم، وأن الدولة لن تغيّر قواعد اللعبة بين يوم وليلة.
حسب قول الخبير السلوم الثقة تُبنى من خلال استقرار أمني وسياسي، وعدالة قانونية، واستقلالية في القرار الاقتصادي، وانفتاح مدروس على الشراكات الدولية. ولا يمكن فصل ذلك عن مشروع وطني متكامل لإعادة الإعمار، يشمل كل من السوريين في الداخل والخارج، دون تمييز أو تسييس.
إن الإصلاحات المصرفية وعودة سويفت خطوات مطلوبة، لكن يجب أن تترافق مع تحول حقيقي في بنية الدولة الاقتصادية، ومعالجة جذور الخلل التي منعت رأس المال من التوجه إلى سوريا حتى في فترات الهدوء النسبي.
المعركة ليست مع الأرقام فقط، بل مع الثقة، ومع إعادة تعريف سوريا كمكان ممكن وآمن للاستثمار والعمل والإنتاج. هذه مهمة تتطلب ما هو أكثر من تصريحات، بل خطة وطنية شجاعة… تبدأ من الداخل.