الثورة – إيمان زرزور:
تواجه السلطات اليوم تحديات أمنية وقضائية معقدة في ظل إرث ثقيل خلّفه نظام الأسد البائد، حيث تتصاعد محاولات التشكيك بقدرتها على فرض القانون ومحاسبة الجناة، خصوصاً بعد تكرار محاولات توظيف بعض الجرائم إعلامياً للنيل من صورة الدولة ومؤسساتها.
ومع ذلك، تبدو وتيرة الاستجابة الرسمية السريعة قادرة على كسر هذا الحصار الرمزي، كما ظهر بوضوح في قضية مقتل الفنانة ديالا صلحي الوادي، وقبلها العديد من القضايا والحوادث التي لم تسجل ضد مجهول.
جريمة استُهدفت فيها الرمزية
رغم أن حادثة قتل ديالا الوادي ليست الجريمة الوحيدة التي تعصف بالعاصمة دمشق، إلا أن ما منحها بُعداً خاصاً هو استهداف شخصية معروفة تحمل جنسية أجنبية وتنتمي إلى الوسط الفني والثقافي، ما جعل الجريمة مادة خصبة لمحاولات الاتهام السياسي والتجييش الإعلامي ضد السلطة، غير أن سرعة الوصول إلى الجاني واعتقاله بدقة قطعت الطريق أمام هذه الحملات، وأظهرت جاهزية أمنية عالية تتجاوز الرواية النمطية عن الفوضى والتقصير.
موقف العدالة
لا تهاون في قضايا القتل في أول تعليق رسمي، أكد وزير العدل الدكتور مظهر الويس أن الوزارة تتابع عن كثب مجريات التحقيق، موضحاً في تغريدة نشرها عبر منصة “إكس” أن إلقاء القبض على الجاني جاء نتيجة تنسيق مباشر بين الأجهزة الأمنية بإشراف المحامي العام الأول في دمشق، مشيداً بجهود وزارة الداخلية في التعامل السريع والمهني مع القضية.
وأضاف الوزير الويس أن التوجيهات صدرت بتسريع إجراءات التحقيق والمحاكمة، لضمان عدالة ناجزة وتنفيذ أقسى العقوبات بحق مرتكبي هذه الجرائم، مؤكداً أن “العدالة لا تكتمل إلا حين يُحاسَب كل مجرم على ما اقترفت يداه، وأن ضمير المجتمع لن يهدأ قبل إنفاذ القانون بحق الجناة”.
توقيف سريع وتحقيقات دقيقة
من جانبها، أوضحت وزارة الداخلية أن القاتل أُوقف خلال أقل من 24 ساعة من وقوع الجريمة التي صدمت حي المالكي الراقي، مشيرة إلى أن التحقيقات بدأت فور ورود البلاغ، حيث تم تطويق موقع الجريمة، وجمع الأدلة الجنائية، وتحديد هوية المشتبه به ثم اعتقاله في وقت قياسي.
وبحسب المصادر الأمنية، تشير المعطيات الأولية إلى أن الجريمة نُفذت بدافع السرقة، حيث قام الجاني بخنق الضحية بعد أن راقب تحركاتها، ثم سرق مجوهراتها ومبالغ مالية قبل أن يفر من المكان، ما يعزز فرضية التخطيط المسبق للجريمة واستغلال عيش الفنانة بمفردها.
ارتدادات الحادثة وصدمة فنية
أثارت الجريمة استنكاراً واسعاً في الأوساط الثقافية والفنية، خصوصاً بعد تأكيد نقابة الفنانين في دمشق نبأ مقتل ديالا الوادي في بيان رسمي، أشارت فيه إلى أن الجريمة جاءت نتيجة سطو مسلح على منزلها.
وتحمل ديالا صلحي الوادي الجنسيتين السورية والبريطانية، وهي ابنة الموسيقار العراقي- السوري الراحل صلحي الوادي، أحد أبرز مؤسسي المعهد العالي للموسيقا في دمشق.
وقد برزت في المشهد المسرحي بأعمال مميزة، رغم ندرة ظهورها الإعلامي.
اختبار للدولة ومواجهة مع الإفلات من العقاب
تُعد هذه الحادثة اختباراً حقيقياً لمؤسسات الدولة بعد انهيار نظام الأسد، في مواجهة شبكة الفساد والجريمة التي ترعرعت تحت عباءته، ومع أن التحديات لا تزال كبيرة، فإن إغلاق هذا الملف سريعاً، وإحالة الجاني إلى القضاء، تمثل إشارة واضحة على تغيّر النهج الرسمي، واعتماد الشفافية والمحاسبة كركائز في التعامل مع الجرائم العامة.
في النهاية، تبقى العدالة الناجزة والسريعة هي الردّ الأقوى على من يروّج لانعدام الأمن أو غياب الدولة، كما تُعيد التأكيد على أن أيّ محاولة لاستثمار الجريمة سياسياً لن تصمد أمام العمل المؤسسي الجاد.