“جاك بيرك”.. يختار أن يكون عربياً بالوجدان

الثورة – عمار النعمة:

في زمن كانت فيه الأصوات المنصفة نادرة، برز جاك بيرك كاستثناءٍ نادر، لا يشبه بعض المستشرقين الذين ارتدوا عباءة المعرفة ليخدموا مصالح استعمارية، بل كان صوتاً إنسانياً نزيهاً، حمل همّ العرب وقضاياهم، ودافع عنهم بصدق وشجاعة، حتى وهو في قلب فرنسا، إذ كانت الصهيونية تهيمن على الرأي العام وتتهم كل من يناصر العرب بالخيانة.

لم يكن بيرك مجرد كاتب أو باحث أو مترجم، بل كان عاشقاً حقيقياً للثقافة العربية، يرى فيها روحاً مقاومة، وهويةً متجذرة، ووعياً حضارياً لا يمكن طمسه، وقد عبّر عن ذلك بقوله: إن اللغة العربية، ولاسيما الفصحى، كانت من أقوى أدوات مقاومة الاستعمار الفرنسي في المغرب، إذ حالت دون ذوبان الهوية في الثقافة الفرنسية، وبلورت الأصالة الجزائرية، وحفظت للشعوب العربية وجودها.لقد وقف بيرك إلى جانب الشعب الجزائري في حربه ضد الاحتلال، وساند القضية الفلسطينية في حرب حزيران 1967، لم يكن ذلك موقفاً سياسياً عابراً، بل امتداداً لحب عميق للعرب.هذا الحب دفعه إلى ترجمة أبرز الأعمال العربية، من “المعلقات العشر” إلى “كتاب الأغاني”، ومن مؤلفات ابن خلدون إلى طه حسين والمعري، بأسلوب يجمع بين الدقة والحنكة، مما جعله أحد أعلام الفكر والثقافة العالمية.ولعل طفولته التي قضاها في المكان الذي اعتكف فيه ابن خلدون، كانت الشرارة الأولى لهذا العشق، حيث تأمل طويلاً في روح ذلك المكان، حتى بات هاجسه ملازمة الأرواح التي حاكت فكره وحكمته.في كتابه “ويبقى هناك مستقبل”، صدّر بيرك روح التفاؤل، داعياً إلى الحوار كسبيل لتراجع الجهل، وتبادل الأفكار، وتقبّل الآخر، كان يرى في الحداثة امتداداً للأصالة، وفي الهوية الإنسانية جسراً للتفاهم، لا حاجز للإنغلاق.

لم يكن بيرك مجرد صديق للعرب، بل كان ضميراً فرنسياً ناطقاً بالحق، ومثقفاً عالمياً آمن بأن العدالة لا تعرف حدوداً، وأن المقاومة ليست تهمة، بل حقٌ مشروعٌ في وجه الظلم.هو ليس مجرد مثقف فرنسي مهتم بالشرق، بل كان إنساناً اختار أن ينحاز للحق، وأن يضع ضميره فوق مصالح السياسة، وأن يرى في العرب شركاء في الحضارة لا مجرد موضوعات للدراسة، لقد تجاوز حدود الأكاديمية، ليصبح صوتاً أخلاقياً في زمن كانت فيه الأصوات تُشترى وتُكمم.يقول عن نفسه: “لست مؤرخاً ولا رحالة أو حتى مستعرباً، أنا أرفض كل هذه التوصيفات، كل ما هنالك، أني وقعت يوماً في حب منطقة وشعوبها وتاريخها، ورحت أحاول دراستها، من دون أي رغبة في أن أكون مستشرقاً بالمعنى المهني للكلمة”.في كل كتاب ألّفه، وكل ترجمة قدّمها، وكل موقف تبنّاه، كان بيرك يكتب سيرة إنسان آمن بأن المعرفة لا تكتمل إلا بالحب، وأن الثقافة لا تُثمر إلا بالحوار، وأن المقاومة ليست فقط بندقية، بل أيضاً كلمة، وهوية، ولغة، وذاكرة.جاك بيرك رحل جسداً، لكنه بقي فكراً وروحاً، يذكّرنا بأن المثقف الحقيقي لا يقف على الحياد حين يُظلم شعب، ولا يصمت حين تُغتال الحقيقة، بل يكتب، ويترجم، ويشهد، ويقاوم.. بالكلمة.

آخر الأخبار
قلعة حلب تستعيد ألقها باحتفالية اليوم العالمي للسياحة 240 خريجة من معهد إعداد المدرسين  في حماة افتتاح معرض "بناء سوريا الدولي - سيريا بيلد” سوريا تعود بثقة إلى خارطة السياحة العالمية قاعة محاضرات لمستشفى الزهراء الوطني بحمص 208 ملايين دولار لإدلب، هل تكفي؟.. مدير علاقات الحملة يوضّح تطبيق سوري إلكتروني بمعايير عالمية لوزارة الخارجية السورية  "التربية والتعليم" تطلق النسخة المعدلة من المناهج الدراسية للعام 2025 – 2026 مشاركون في حملة "الوفاء لإدلب": التزام بالمسؤولية المجتمعية وأولوية لإعادة الإعمار معالم  أرواد الأثرية.. حلّة جديدة في يوم السياحة العالمي آلاف خطوط الهاتف في اللاذقية خارج الخدمة متابعة  أعمال تصنيع 5 آلاف مقعد مدرسي في درعا سوريا تشارك في يوم السياحة العالمي في ماليزيا مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر  الشرع يخاطب السوريين من إدلب.. رمزية المكان ودلالة الزمان   فيدان: استقرار سوريا جزء من استقرار المنطقة