الثورة – فؤاد العجيلي:
في صباح كل أول شهر، يتجمع مئات المتقاعدين أمام أبواب المصارف وكّوات البريد في مشهد اكتظاظ كبير بات مألوفاً، يصف أبو عادل 73 عاماً، حاله وحال المتقاعدين الذي قدموا خدماتهم في الوظائف الحكومية حتى وصلوا إلى الستين من عمرهم، ليتركهم أصحاب القرار في النظام البائد عرضة للذل والهوان وهم ينتظرون ليقبضوا رواتبهم من المصارف أو البريد، التي بالكاد تكفي لشراء أدويتهم، معظمهم من كبار السن والعجزة والنساء، يحلمون الآن بالانتقال من الألم إلى الأمل بتحويل رواتبهم إلى حساب “شام كاش” أسوة بالقائمين على رأس عملهم.
مشاهد لا تسرّ
صحيفة الثورة رصدت الواقع الأليم الذي يعيشه المتقاعدون عبر استطلاع للرأي، يمكن أن يكون عنوانه “المتقاعدون من أمام الصرافات إلى شام كاش”، إذ يضطر مئات المتقاعدين للوقوف أمام مكاتب البريد والمصارف منذ الصباح الباكر، وغالباً تحت أشعة الشمس الحارقة، لساعات طويلة قبل الحصول على رواتبهم، وبعضهم كبار السن ممن (تجاوزوا 70 عاماً) لا يتحملون الانتظار الطويل، ما يعرضهم للإرهاق والمشكلات الصحية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كثيراً ما تكون الصرافات الآلية، إما فارغة من النقود أو معطلة بسبب أعطال تقنية أو انقطاع التيار الكهربائي، وهنالك معضلة أخرى، كما وصفها أحد المتقاعدين بقوله “راتبنا بالقطارة”، إذ يسمح للمتقاعدين بسحب مبلغ من المصرف التجاري محدد بـ 500 ألف ليرة سورية، ما يضطرهم إلى العودة مرات عدة لسحب راتبهم بالكامل، وخاصة إذا كانت رواتبهم متراكمة لشهور.
رحلة لقبض الراتب
وأوضح أبو عمر 75 عاماً، والقادم من ريف حلب الشمالي”، أنه جاء ليقبض راتبه بداية الشهر من المصرف التجاري، وحتى الساعة الثالثة لم يستطع استلامه بسبب الازدحام، لافتاً إلى أنه سيعود إلى أعزاز ليأتي في يوم آخر لقبض الراتب، وبتأوه قال: أدفع أكثر من 100 ألف ليرة أجرة طريق لأقبض راتباً لا يكفي ثمن دوائي.
من جانبها أم رمزي 70 عاماً، من حي هنانو، أشارت إلى أنه لا يوجد لديها أولاد لأنهم مسافرون، ولا يوجد معها سوى زوجها المريض، ومازالت منذ يومين تأتي إلى البريد لتقبض الراتب التقاعدي، ولكن حتى الآن لم يصل لها الدور.
صرافات معطلة
أبو سعيد 65 عاماً، متقاعد من القطاع المصرفي، أشار إلى أن الصرافات الآلية أغلبها معطل، ولا يوجد سوى صرافان أمام البنك التجاري، وهما لا يكفيان لمئات المتقاعدين يومياً.
وأوضح أن معظم الواقفين على الطابور من كبار السن والعجزة، مطالباً الحكومة بإيجاد حل لهؤلاء المتقاعدين الذين قدموا “زهرة شبابهم” في خدمة بلدهم، ولكن حينما تقاعدوا تخلت عنهم الحكومة وتركتهم رهينة لمزاجية الصرافات.
أم نادر 70 عاماً، أوضحت أن هناك مشكلة حقيقية تواجه المتقاعدين، وهي عدم تزويدهم ببطاقات صراف آلي، فيضطرون للقدوم إلى المصرف لقبض الراتب بشكل مباشر، ولكن الازدحام الشديد يؤخرهم إلى اليوم الثاني، وهذا بحد ذاته مصروف وعبء إضافي.
أجمع المتقاعدون الذين التقتهم “الثورة” على المطالبة بتحويل رواتبهم إلى حساب “شام كاش”، الأمر الذي ستكون له منعكسات إيجابية، منها تجنب الطوابير الطويلة، والتقليل من التنقل والانتظار، حيث يمكن سحب الأموال من أي مكان عبر الصرافات الآلية أو المحال التجارية المتعاقدة مع التطبيق، وتوفير الوقت والجهد، وتمكينهم من قبض رواتبهم بضغطة زر من دون الحاجة إلى التنقل، وضمان وصول الرواتب في موعدها.
يذكر أنه بعد الانتهاء من كتابة التحقيق، نشرت مديرية صحة حلب على صفحتها الرسمية خبراً، مفاده وقوع حالات مرضية وإغماء لكبار السن، نتيجة وقوفهم اليوم على الطوابير أمام بريد محافظة حلب لقبض رواتبهم في ظل الازدحام الشديد والأجواء الحارة التي تشهدها البلاد.
وأضافت المديرية في خبرها أن منظومة الإسعاف قامت وعلى الفور بتقديم الإسعافات الأولية ونقل الحالات شديدة الخطورة إلى المشافي التابعة للمديرية.
خطوة إصلاحية
الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحميد الحلبي، أوضح أن تحويل رواتب المتقاعدين إلى “شام كاش” من شأنه إعادة المصارف إلى وظيفتها الأساسية، “عقاري– تجاري– صناعي– توفير”، إذ اقتصر عملها حالياً على تقبيض الرواتب وغاب عنها دورها الأساسي، إضافة إلى أن تحويل الراتب إلى “شام كاش” ستكون له منعكسات إيجابية على المتقاعد، حيث يختصر التنقل والسفر من الريف إلى المدينة، وبذلك ينخفض مصروفه.
وختم الحلبي حديثه: إن تحويل راتب المتقاعدين إلى” شام كاش “خطوة إصلاحية لا ترفاً تقنياً.
برسم الحكومة
صوت المتقاعدين لا يطالب بالرفاهية، بل بحقهم في قبض رواتبهم بسهولة، فهل تستجيب الحكومة لأصواتهم وأصواتنا؟.