الثورة _ جهاد اصطيف:
في صباح يوم صيفي حار، دخلت شابة عشرينية إلى غرفة العمليات في مستشفى الرازي بحلب، وهي تحمل في رأسها ورماً دماغياً متوغلاً في منطقة شديدة الخطورة، البطين الرابع ممتد عبر الثقبة الجانبية إلى الزاوية المخيخية الجسرية، يحيط بشبكة معقدة من الأعصاب القحفية والأوعية الدموية.
الملف الطبي، بحسب البيان الصادر عن المستشفى، كان يشير إلى أن الجراحة محفوفة بالمخاطر، واحتمالات فقدان المريضة للقدرات الحركية أو الحسية عالية جداً، لكن ما حدث لاحقاً قلب المعادلة تماماً.
قدوم الخبرة من المغترب
الاستشاري الدكتور مضر قنطار، الطبيب السوري القادم من ألمانيا، كان ضمن فريق حملة “شفاء 2″، التي تنظمها منظمة الأطباء المستقلين (IDA)، بالتنسيق مع وزارة الصحة ومديرية صحة حلب، بخبرته الطويلة في الجراحة العصبية الدقيقة، إلى جانب مهارات متقدمة في الوضعية الجراحية نصف الجلوس، وهي تقنية لا يجيدها سوى قلة من الجراحين حول العالم، وكون المخاطر كانت مضاعفة، وأن أي خطأ صغير كان يمكن أن يسبب نزيفاً قاتلاً أو شللاً دائماً، إلا أن الإعداد الجيد والتنسيق مع فريق التخدير والجراحة العصبية المحلي كانا مفتاح النجاح.
العملية استمرت أكثر من تسع ساعات، تم خلالها استئصال شبه كامل للورم، مع الحفاظ التام على وظائف المخيخ والأعصاب القحفية، وفي صباح اليوم التالي، كانت المريضة تستعيد وعيها بالكامل، وتتحرك وتتحدث دون أي خلل عصبي.
وبحسب بيانات مديرية صحة حلب، نفذت حملة “شفاء 2” خلال أسبوعها الأول 27 عملية جراحية معقدة في الأعصاب والقلب والعظام، وتدريب أكثر من 45 طبيباً محلياً على أساليب جراحية حديثة، وتقديم استشارات طبية لنحو 300 حالة حرجة.
تحديات الواقع الطبي
رغم النجاح، يبقى القطاع الصحي في حلب يواجه صعوبات تتمثل في النقص ببعض التجهيزات عالية الدقة، وصعوبة توفير بعض الأدوية والمستلزمات الجراحية، ومع ذلك، فإن إدخال تقنيات حديثة، يعكس قدرة المستشفيات على استيعاب التطوير حتى في بيئة عمل مليئة بالتحديات.
وبهذا النجاح، تثبت حلب أن الطب السوري قادر على تحقيق إنجازات بمستوى عالمي، حين تتوفر الإرادة، والتعاون، ونقل المعرفة من الخبرات المغتربة إلى أرض الوطن.