الروائي عيسى الشيخ حسن لـ “الثورة”:الشعر يزورني في الحلم كبيتي القديم

الثورة- باريس – أحمد صلال :

حالما بدأت بقراءة رواية “خربة الشيخ أحمد” للروائي السوري عيسى الشيخ حسن، إحساس راودني أن غيمة بيضاء تتلبسني وترافقني حتى أنهيت الرواية، حالما أنهيتها رافقني شعور بالارتياح، شيء في الرواية واضح وأقنعني، حينما يحب رجل امرأة تقنعك لغة الكاتب وأسبابها، وإن تبادل إثنان الحبّ تقنعك المفردات بهذا الحب، أجد نفسي حزيناً بعمق، حساساً لأبسط المواقف الإنسانية، وأبكي بلا سبب واضح، أبحث في داخلي جيداً، فأدرك أن السبب، هو عبقرية السرد الذي يقارب بيئة الحدث، تعابير ومفردات وتراكيب من بلاغتها بمحاورة الفصحى السردية تصدمك.

صحيفة “الثورة “كان لها الحوار التالي مع الشاعر والروائي عيسى الشيخ حسن:

– بدأت شاعراً من خلال ديوانك “أناشيد مبللة بالحزن”، الذي غير مسارك الأدبي ونقلك إلى عالم الشعر، حدثني عن بدايات شغف الكتابة؟.

كان الشعر بوصلتي إلى قراءة العالم، بوصفه المنهل الأقرب والأصفى، في وقت كان فيه الشعر سيّد الأجناس الأدبيّة، والمنبر الذي لم يضنّ على أحد بالوقوف عليه، كنت قد تخطّيت الإعداديّة يافعاً متفوّقاً، مشحوناً بالقراءة وطعنات الفقد، سرعان ما أفلت من سؤال التفوّق هارباً إلى قراءات غيرمنضبطة في حقل، لكنّها أسّست لشاعر يكتب قصيدته على مهل، ثمّ لأجد التشجيع الصادق من معلّمي الأديب حسين حمدان العسّاف، فأمضي إلى آخر الشوط.

كانت الكتابة عندي تحليقاً يومياً حول نار لا أدري كنهها، ولكنّني أستمتع بلحظات الوجد الغريب، منعزلاً عن العالم، منتظراً بشغف تخلّق نصّاً جديداً، يمنحني فرحاً ما.

– عاشت القرى فيّك بجدرانها وشخوصها، في ديوانك الأول تسللت إلى القرية، وتعبيراتها المتمردة على أبنية الصرف العربية: “الفلاليح، الدراريب” مثلاً، حدثني أكثر عن التأثير في نتاجك الأدبي؟.

كنت انتبهت مبكّراً إلى معجمي الخاصّ، مستفيداً من قراءات نقدية لمن سبقوني، وكان إقحام “الفلاليح والدراريب” مثلاً في الديوان الأوّل بقصدية واضحة، وما لبثت أن راكمت هذا المعجم في المنجز الشعري، والسردي أيضاً، وفي النظر بعيدا نجد أن مجتمعات الفرات “بعد نكبة المغول” حفظت للعربيّة كثيراً من مفرداتها، بل طوّرت فيها، ولهذا رأيتني أمام واجب مهمّ أمام لهجة جليلة، استأمنتها العربيّة على مفرداتها في لحظة “زعزعة ديمغرافيّة” رهيبة، ظلّت القرى عندي خياماً من طين تستقبل القبلة، وتشعل النارولكن في صاج النار مقلوباً، ولعلّي في المنجز السرديّ استسلمت تماماً لتلك القرى البعيدة، رغم أنّي أسكن الآن في واحدة من أحدث عواصم العالم.

– حزت العديد من الجوائز بينها جائزة الشارقة في دورتها الخامسة وجائزة عبد الوهاب البياتي في دورتها الأولى، هل تصنع الجوائز كاتباً حقيقياً مخلصاً لنتاجه؟.

كانت الجوائز مقترحاً لإخراج الإبداع من حالة جمود عرفها الربع الأخير من القرن الماضي، إذ احتُكِرت المنابر الأبدية ومواعين النشر لفئات بعينها، وبالفعل خرجت أصوات خارج السلطة الأدبية.

ولكنّ مشكلات جديدة نجمت عن هذا المخرج، فإبداع الجوائز ظلّ قليل الانتشار، وكتّاب الجوائز ضلّوا الطريق الحقيقيّ إلى الإبداع، ولا تحفظ الذاكرة من أولئك إلّا نفراً قليلاً نجا من هذه المحرقة، واستطاع أن يكمل الطريق.

يمكن القول: إن الجائزة “قطعة شوكولا” تُمنح لمتسابق الدرّاجات في الطريق، تمنحه بعض الطاقة، ولكنّها لا تكفي ليواصل المسير.

– بدأت شاعراً، ومن ثم اتجهت إلى عالم الرواية، هل أنت شاعر أم روائي؟لا أعرف كيف أصف لك الأمر، حين يقولون الشاعر أحسّ أنّني عدت ذلك الشابّ الذي تصهل بين يديه الكلمات، وحين يقولون الروائي أعود من جديد إلى ذلك الكهل بنظّارتين، الكلمات تعانده كي يأخذها إلى الحبكة، كان داخلي روائيّ صغير، وكسول، كتبت في صغري فصولاً من رواية، وبعضاً من سرديّات تقترب من السيرة الذاتيّة.

الشعر لا يزورني كثيراً هذه الأيّام، وكأنّه يعاقبني، واسترضائي له أحياناً يجعلني أهجر السرد، وفي هجرة المبدعين “هذه الأيام” إلى جزيرة السرد، يظلّ الشعر بيتي القديم الذي يزورني في الحلم، فأنشد له بعض الأحيان، بينما يمضي قطار السرد، فلا نمتلك إلّا الالتفات إلى تلك النصوص.

– “العطشانة” سابقة على خربة الشيخ أحمد، وكنت قد وصلت إلى السرد بعد أعوام طويلة من الاهتمام بالشعر، لكنّ كتابة العمود الصحافي أخذتك شيئاً فشيئاً إلى السرد، وقد نبهك زملائك غير مرّة إلى شبهة السرد في بعض ما تكتب، هل توافق هذا الرأي؟ استغرقني العمل في الصحافة الأدبية جهداً، ووقتاً، وفي الأثناء كانت تنسرب في بعض الكتابات نصوص ذات ملمح سردي، فأجد ما يشبه التغذية الراجعة في آراء الأصدقاء، من باب “ذاك غافلٌ فنبّهوه” وكانت الرواية بالنسبة إلى أبناء جيلي من المبدعين قلعةً بسورٍ عالٍ، تهيّبناه، ونحن نقرأ في قراءات جورج طرابيشي مثلاً، وهو يبيّن عبقرية نجيب محفوظ في السرد، ولكنّ السرد كان غواية.

أخذتني الصحافة حتّى من الشعر، كنت أكتب مادّتين في الأسبوع، الأولى مقال أسبوعي، والثاني قراءة في كتاب، وفي المادّتين أكون مرهقاً، ربيع 2019 تقريباً، وفي ظلّ ما تعاني منه الصحافة استغني عن كتاب الأعمدة، فوجدت في صفحتي الافتراضيّة، متنفّساً جديداً بعيداً عن رتابة الصحافة، ووجدتني مستجيباً لغواية السرد، في محاولات عديدة، لكنها نضجت أخيراً في عملين أعتزّ بهما “العطشانة” و”خربة الشيخ أحمد”.

– احتفى القُراء بنتاجك في مجال الرواية “العطشانة” و”خربة الشيخ أحمد”، وحظيت بمتابعة كبيرة من قبلهم، ما أسباب ذلك برأيك؟ لو كان الكاتب عليماً بخلطة الكتابة الناجحة لرأيت الأدباء جميعهم ناجحين، كان مردّ نجاح الخربة “في تقديري” آتياً من ظرف كتابتها، وطريقته، فقد جاءت في وقت تتعرّض له مجتمعات الفرات لبوادر حرب أهليّة تهدّد الأمن الديمغرافي، وقد كُتبت في إطار “الأدب التفاعلي” في حلقات متسلسلة، تفاعل معها جمهور معقول حلقةً بحلقة، ثمّ ما لبثت أن صدرت في كتاب، أتيح له أن يطوف معارض الكتاب العربي، ويطبع في أكثر من نسخة.

وكذلك الأمر لرواية “العطشانة” التي طبعت في نسخة إلكترونية أتيحت للجميع، وقد صرّح لي الناشر أنّ معدل تنزيلها 4000 مرّة.

لكنّ السبب الأساس في رأيي هو أنّ الكاتب جعل من أهله موضوع الرواية وأبطالها، ولم يتعال عليهم، وحين يجد القارئ المستهدف نفسه في المتن، لا الهامش الذي اعتاده في السرد السوري عموماً؛ فإنّه يكون صوته بالتأكيد.

– حالما بدأت بقراءة رواية “خربة الشيخ أحمد” للروائي السوري عيسى الشيخ حسن، إحساس راودني أن غيمة بيضاء تتلبسني وترافقني حتى أنهيت الرواية، حالما أنهيتها رافقني شعور بالارتياح، شيء في الرواية واضح وأقنعني .

حدثني أكثر عن متعة السرد العبقري لديك؟ كانت الخربة العمل الذي استغرق منّي كلّ شيء، وقتي، وعواطفي، وجهداً كبيراً في البحث في التاريخ والجغرافية، والذاكرة أيضاً، ربّما كان عمل الجماعة التي كانت تصفّق لي من البعيد، كنت أرتدي معطف شولوخوف ونجيب محفوظ معاً، وأنا أنفض الغبار عن أهلي، وقريتي، والمكان المنبسط بين يدي جبال طوروس، تعبره القبائل التي حطّت عصا الترحال، وربّما رصدته بعين الطفل ابن السادسة يجوب مع جدّه البراري في ربيع غابر 1970.

حشد كامل من الشخوص، كوزموبوليتانيا “مخفّفة” تظاهرت أمامي شخوص العرب والكرد والآشوريين، فوضعتهم بهدوء، يصل بينهم شابّ نموذج للسوري الجديد بين أبيه الإدلبي وأمّه الديرية، ومربّيه شيخ القبيلة العربي، وكريفه الكردي، ولم أتقصّد هذه الرسمة، ولكنّ السرد أفضى بي إلى رواية سورية أخرى، تقاطعت مع سيرورات كثيرين من قرّائها، فكانت روايتهم.

– هل ترى أن حضور الرواية في الثقافة العربية في وقتنا الحالي سيؤثر على سوية باقي الأجناس الأدبية مثل الشعر والقصة القصيرة؟ ربّما كان هذا السؤال هو الأكثر حضوراً قبل عقدين على الأقلّ، لكنّنا حالياً نعيش قلقاً على سوق الأدب عامة، بعد التطوّر التكنولوجي الرهيب، وظهور ما يمكن أن أسميه “الشفاهيات”، واتجاه عدد من المبدعين إلى “سوق الميديا”، من بوابة “اليوتيوبر”.

تتمتّع الرواية باهتمام واسع، يساعدها في ذلك حوافز متعدّدة كالجوائز، وأتابع أحياناً برامج خاصّة عنها في وسائل التواصل تجذب أعداداً مهولة من المتابعين، وربّما كان هذا هو حال الشعر في الوسيط ذاته، ولكنّ السؤال الذي يمكن أن نطرحه: هل يمكن أن تنتج الميديا حالات تلقّي يمكن الاعتداد بها؟

إن اختفاء الجريدة الورقية والكتاب الورقي من حياتنا، يضع الأجيال المقبلة في بؤرة السؤال السابق، وإنّ الأهمّ أنّ يظلّ الأدب “بأي شكل” من مكوّنات الأمّة.

آخر الأخبار
قلعة حلب .. ليلة موعودة تعيد الروح إلى مدينة التاريخ "سيريا بيلد”.  خطوة عملية من خطوات البناء والإعمار قلعة حلب تستعيد ألقها باحتفالية اليوم العالمي للسياحة 240 خريجة من معهد إعداد المدرسين  في حماة افتتاح معرض "بناء سوريا الدولي - سيريا بيلد” سوريا تعود بثقة إلى خارطة السياحة العالمية قاعة محاضرات لمستشفى الزهراء الوطني بحمص 208 ملايين دولار لإدلب، هل تكفي؟.. مدير علاقات الحملة يوضّح تطبيق سوري إلكتروني بمعايير عالمية لوزارة الخارجية السورية  "التربية والتعليم" تطلق النسخة المعدلة من المناهج الدراسية للعام 2025 – 2026 مشاركون في حملة "الوفاء لإدلب": التزام بالمسؤولية المجتمعية وأولوية لإعادة الإعمار معالم  أرواد الأثرية.. حلّة جديدة في يوم السياحة العالمي آلاف خطوط الهاتف في اللاذقية خارج الخدمة متابعة  أعمال تصنيع 5 آلاف مقعد مدرسي في درعا سوريا تشارك في يوم السياحة العالمي في ماليزيا مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر