الثورة – إيمان زرزور
تُعدّ حملات إعادة الإعمار التي تنطلق بجهود مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني مثالاً عملياً على قدرة التكاتف الاجتماعي على تجاوز آثار الحرب وبناء مستقبل أفضل، وكانت مبادرة “أربعاء حمص”، التي انعقدت في قلب المدينة القديمة يوم أمس الأربعاء، تُجسّد بوضوح هذه الروح التعاونية، حيث جمعت وزراء ومحافظين ومسؤولين مع فعاليات شعبية وتجارية ودينية وثقافية، وتمكنت من حشد أكثر من 13 مليون دولار لدعم مشاريع إعادة إعمار المدينة.
التكاتف الاجتماعي ليس مجرد دعم معنوي، بل هو منظومة متكاملة من المساهمات المادية، والخبرات، والعمل التطوعي، التي تسهم في تسريع وتيرة إعادة الإعمار، وفي مؤتمر “أربعاء حمص”، كان حضور المجتمع المحلي من مختلف الأطياف بمثابة رسالة واضحة أن الإعمار ليس مهمة حكومية بحتة، بل هو مسؤولية جماعية يتقاسمها الجميع.
هذا التعاون يعزز الثقة بين المؤسسات الرسمية والمواطنين، ويخلق حالة من الشراكة الحقيقية في اتخاذ القرار وتحديد الأولويات، ما يضمن أن تكون المشاريع أكثر التصاقاً باحتياجات الناس الفعلية، ويؤكد أن السوريين قادرين على النهوض ولو بإمكانيات بسطية وتطوعية.
كما أن إحياء مدينة كحمص، التي تحمل إرثاً ثورياً وثقافياً، يتجاوز البعد المادي للبناء ليصل إلى ترميم الذاكرة الجماعية وتعزيز الانتماء الوطني، فالمشاهد التي جمعت أبناء حمص، من موظفين شرفاء إلى أمهات الشهداء، أكدت أن إعادة الإعمار هي أيضاً إعادة الروح للمدينة وإعادة الأمل لسكانها.
كما أن اختيار يوم الأربعاء لانطلاق الحملة حمل بعداً رمزياً، مستحضراً الذاكرة الشعبية والفعاليات التاريخية التي عُرفت بها حمص، ما أضفى على المؤتمر طابعاً ثقافياً واجتماعياً يعمّق روابط المجتمع.
وفي أثر الحملات على المدى الطويل، فهي تسهم في تنشيط الدورة الاقتصادية عبر خلق فرص عمل جديدة وتمويل مشاريع تنموية، وتعزز الروابط بين المواطنين وتعيد الثقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة، كما أنها تحافظ على الهوية المحلية من خلال دمج الفعاليات التراثية والفنية في عملية الإعمار، وتعكس قدرة المجتمع السوري على صياغة مستقبل مدنه بعيداً عن الانقسامات السابقة.
تبرز تجربة “أربعاء حمص” وقبلها تجارب في محافظات أخرى، كنموذج ناجح يمكن تعميمه في جميع المناطق السورية، حيث أثبتت أن التكاتف الاجتماعي قادر على تحويل مشاريع إعادة الإعمار من خطط على الورق إلى إنجازات واقعية، وأن استثمار هذه الروح التعاونية، وتوسيع نطاقها، هو مفتاح لمرحلة جديدة من البناء الوطني القائم على الشراكة والثقة المتبادلة.