الثورة – ناديا سعود:
لم يكن صباح الغاب في ذلك اليوم كسابقاته، فبدل أن تتراقص أشعة الشمس على أوراق السنديان والصفصاف، كانت السماء تكتسي بلون الرماد، والهواء يختنق برائحة الحطب المحترق، في ساعات قليلة، تحولت الغابة التي كانت ملاذ الطيور وظلال المسافرين إلى أطلال سوداء، لا يسمع فيها سوى فرقعة الجذوع وهي تنهار تحت ألسنة اللهب.
أربع بؤر حرائق اندلعت متزامنة، لتلتهم كل ما تجده في طريقها من الأشجار المعمّرة والنباتات النادرة وحتى مواطن الحياة البرية.. من جورين حتى سلحب، بدت الجبال عارية، كأنها فقدت غطاءها الأبدي، زالت الزوفا، والغار، والبطم، من المشهد، ومعها ذكريات أجيال من أبناء المنطقة الذين كانوا يفاخرون بخضرة أرضهم.
في الميدان، كان العشرات من الشبان، بعضهم لم يتجاوز العشرين، يقاتلون النار بأدوات بسيطة، يلهثون تحت حرارة تضاعفها ألسنة اللهب، كثير منهم لم يكن يملك معدات وقاية، ومع ذلك اندفعوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
يقول أبو أحمد، وهو من أهالي المنطقة: “نحن نعرف أننا أمام قوة أكبر منا، لكن الغابة هي بيتنا، لا نستطيع الوقوف متفرجين”.
ونوه بأن الخسائر ليست بيئية فحسب، فحرائق الغاب تمس الأمن الغذائي والمناخي والاقتصادي، وتحرم السكان من مصادر رزقهم، وتطرد الحياة البرية من موائلها، وتترك خلفها أرضاً تحتاج لعقود كي تتعافى، ومع ذلك، فإن الخسارة الأكبر تكمن في الحنين الذي يصعب ترميمه، حين يعود الأهالي إلى الجبال فلا يجدون سوى الرماد.
مع انطفاء آخر بؤرة، بقيت رائحة الحريق عالقة في الهواء، كجرح مفتوح، وبينما تترنح الأشجار السوداء في صمت، ترتفع من أفواه الأهالي دعوات النجاة لما تبقى من الغابة، ولسلامة أولئك الذين خاطروا بحياتهم في مواجهة جحيم الطبيعة.