الثورة – عبد الحليم سعود
لم تعد النزعة المرضية تجاه تقسيم سوريا، وتحويلها إلى كانتونات طائفية وعرقية حكراً على الأعداء وخاصة إسرائيل “العدو التاريخي للسوريين” ـ ذات المصلحة في إقامة مثل هذه الكانتونات التي تشبهها ـ بل بتنا نجدها عند بعض من يُحسبون زوراً على السوريين، حيث يحاول البعض هذه الأيام اختراع مختلف الذرائع والمبررات التي تسوغ لهم هذا الانزلاق الخطير في الوطنية والانتماء، متجاهلين الضرر الذي يمكن أن يلحقه مثل هذا التوجه الخطير على وحدة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها ومقدراتها وشعبها. ومتغافلين في الوقت ذاته صعوبة واستحالة تحقيق مثل هذا الأمر.
وهذا ما أكده السيد الرئيس أحمد الشرع بالأمس في جلسة حوارية حضرها عدد من وزراء الحكومة إضافة إلى أكاديميين وسياسيين وأعضاء نقابات مهنية ووجهاء في محافظة إدلب، حيث قال: “إن من يطالب بالتقسيم في سوريا عنده جهل سياسي وحالم”. مضيفا بأن “الكثير من الأفكار الحالمة تؤدي بأصحابها إلى الانتحار”.
وأوضح الرئيس الشرع بالقول: “لا أرى أن سوريا فيها مخاطر تقسيم، فيها رغبات عند بعض الناس لعملية تقسيم سوريا، محاولة إنشاء كانتونات محلية وداخلية، لكن منطقيًا وسياسيًا وعرقيًا هذا الأمر مستحيل أن يحدث”.
في الواقع لا يمكن اعتبار الحديث عن وحدة سوريا أرضا وشعباً وبقائها كذلك مجرد كلام عاطفي، بل هو كلام عقلاني ومنطقي برهنت عليه الأحداث والتطورات منذ أكثر من قرن من الزمان، حيث رفض السوريون على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية والعرقية والسياسية مشاريع التقسيم الفرنسية وحاربوها بلا هوادة وبذلوا أرواحهم ودماءهم في سبيل وحدة سوريا، ولم يكن اتفاق أبناء الثورة السورية الكبرى على الزعيم سلطان باشا الأطرش ابن مدينة السويداء لقيادة الثورة ضد الغزاة الفرنسيين مجرد مصادفة عابرة، بل كان تعبيرا حقيقيا ملموسا عما يكنه السوريين تجاه بعضهم البعض من مشاعر الأخوة والوحدة والتفافهم حول مفاهيم السيادة والوطنية، وابتعادهم عن كل ما يحاول المستعمر الفرنسي زرعه فيما بينهم لتفريقهم ونسف وحدتهم وإيمانهم بسوريا واحدة.
اليوم ـ مع كل أسف ـ تلتقي مصالح الكيان الإسرائيلي مع مصالح قلة قليلة مأجورة محسوبة ـ بالاسم فقط ـ على السوريين، حيث يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تغذية هذه النزعة المرضية بالتقسيم لدى هؤلاء القلة لتحقيق مشروعه المزعوم بإنشاء ما يسمى “دولة إسرائيل الكبرى” المرفوضة من كل دول وشعوب المنطقة، وهو يعول كثيراً على استعمالهم كخنجر في خاصرة سوريا، والمفارقة أن جهل هؤلاء المطبق في السياسة وفقرهم بالوطنية لم يساعدهم على رؤية الحقيقة العارية والمتمثلة بإقامة مشروع نتنياهو على أنقاض أوطانهم المفككة والمستلبة.
ولا نبالغ إذا قلنا بأن نجاح نتنياهو في تنفيذ مشروعه العدواني التوسعي معتمد بالدرجة الأولى على مثل هؤلاء العملاء ممن يرون أن “مجدهم الشخصي” أو خلاصهم الفردي مرتبط بتدمير أوطانهم وتفكيكها، ووضع مصيرهم ومصير بلدهم بيد محتل أو غاز، ولو قدر لهم أن يقرؤوا أحداث التاريخ جيداً لاكتشفوا حجم الكارثة التي هم مقبلون عليها، وحجم الخيبة التي ستطول طموحاتهم في قادم الأيام.