الثورة – منذر عيد
بعد لقاء الطرفين في أواخر تموز الماضي في باريس، وما تم الحديث عنه من لقاءات أخرى جرت في العاصمة الأذرية باكو، فإن الحديث عن استضافة باريس أمس اجتماعاً جمع وزير الخارجية أسعد الشيباني بوفد إسرائيلي ترأسه وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، برعاية أميركية مباشرة، لم يعد بالحدث النادر والتاريخي، بل إن الاهتمام والأسئلة باتا يدوران حول إيلاء كل من باريس وواشنطن أهمية لرعاية الاجتماع، ودور الأخير في تخفيف حدة المواجهة بين سوريا والكيان، ولجم اعتداءات الأخير وتدخله في الشأن السوري، وليفتح ذلك جملة من التساؤلات:
هل باتت تلك الاجتماعات ضرورة وجزءاً من مسار دبلوماسي جديد،، وحوار منظم تحاول أطراف دولية الدفع به إلى الأمام؟
وهل هي بداية تشكّل مسار جديد هدفه إدارة خطوط التماس لا حل الصراع جذرياً؟
أهمية اللقاء بين الشيباني والوفد الإسرائيلي، تنبع من بحث الطرفين مسألة عدم التدخل في الشأن السوري الداخلي، وإمكانية التوصل إلى تفاهمات مرحلية تضمن الاستقرار على الحدود، ووضع ملف وقف إطلاق النار في محافظة السويداء في صدارة الأولويات، إلى جانب بحث إعادة تفعيل اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974 الذي يشكل الإطار القانوني لضبط الحدود السورية – الإسرائيلية منذ عقود، حسب ما نقلت وكالة “سانا” عن مصدر مطلع.
إعادة إحياء هذا الاتفاق تحمل أبعاداً استراتيجية مزدوجة.. فمن جهة تمنح دمشق فرصة لترسيخ التهدئة في الجنوب، ومن جهة أخرى تتيح لتل أبيب ضمان حدود آمنة تحت إشراف الأمم المتحدة، في ظل التوترات المستمرة في المنطقة.
كما أسلفنا فإن اجتماع الأمس ليس الأول من نوعه، إلا أن هذا التكرار يعكس أن الاتصالات ليست مجرد جسّ نبض، بل جزء من مسار حواري منظّم تحاول أطراف دولية الدفع به إلى الأمام، وأن الرعاية الأميركية المباشرة لهذا الحوار تؤكد أن واشنطن ترى في التهدئة السورية – الإسرائيلية مدخلاً ضرورياً لإعادة رسم التوازنات في المنطقة، حيث تحرص الإدارة الأميركية على منع تحول الجنوب السوري إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين قوى إقليمية وإسرائيل، وهو ما يفسر أيضاً لقاءات موازية عقدها المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس براك مع شخصيات درزية بارزة مثل موفق طريف في ذات التوقيت، والمكان (باريس) لبحث تطورات الجنوب السوري.
رغم الطابع الإيجابي للمحادثات، وما قد تفضي إليه من انكفاء إسرائيل في العبث بالداخل السوري، والتراجع في مسألة دعم حالات الانفصال التي يدعي إليها البعض، يظل مسارها محفوفاً بتحديات أساسية، وخاصة لجهة مدى جدية إسرائيل في الالتزام بتهدئة طويلة الأمد، وخصوصاً في ظل تغير أولوياتها الأمنية باستمرار.
مع ذلك، فإن مجرد انعقاد هذه اللقاءات في باريس، وما تم الحديث عنه بإجراء لقاءات في باكو يعكس تغيراً في المزاج الإقليمي والدولي، وربما بداية تشكّل مسار جديد هدفه إدارة خطوط التماس لا حل الصراع جذرياً.
يمكن القول إن اجتماع باريس بين الشيباني وديرمر يشكل مؤشراً على رغبة الأطراف في اختبار إمكانات التهدئة أكثر من كونه اختراقاً حقيقياً.. فالطريق أمام تسوية مستدامة ما زال طويلاً، لكن مجرد جلوس مسؤولين سوريين وإسرائيليين على طاولة واحدة، وبرعاية أميركية، يكشف أن المنطقة قد تكون على أعتاب مرحلة مختلفة، قوامها إدارة الأزمات بدلاً من تركها تنفجر.