الثورة – ناديا سعود :
في زوايا الأحياء السكنية، حيث يتوق الناس لشيء من السكينة بعد يوم طويل، يخترق الصمت صوت مجلجل ينطلق من مكبرات بدائية: “بطاطا للبيع! جبس بلدي! عروض لا تفوَّت!”وكأن المدينة تحوّلت إلى سوق مفتوح بلا جدران ولا ضوابط.
لا شك أن الباعة الجوالين يشكلون جزءاً مهماً من الاقتصاد الشعبي، فهم غالباً أفراد يسعون لكسب قوت يومهم بعرق جبينهم. لكن حين تتحول وسائل نداءاتهم إلى مصدر إزعاج متكرر، يبرزالتساؤل: إلى أي حدّ يمكن للحاجة أن تبرر التعدي على راحة الآخرين؟.
المشكلة لا تكمن في فكرة البيع المتنقل بحدّ ذاتها، بل في الفوضى الناتجة عن غياب التنظيم.
فمكبرات الصوت تستخدم بلا قيود، تخترق النوافذ المغلقة، توقظ الأطفال، تربك المرضى، وتفسد لحظات الدراسة أو الراحة. والأسوأ أن الأمر يحدث بلا مواعيد محددة أو أماكن مخصصة، مما يحوّل الأحياء السكنية إلى أسواق عشوائية يومية، تزرع التوتر وتثير شكاوى لا تنتهي.
ورغم تفهم الحاجة الملحة لهؤلاء الباعة إلى العمل، فإن غياب البدائل المنظمة – مثل الأسواق الشعبية المجهزة أو نقاط بيع متنقلة بإشراف البلديات – يضع نشاطهم في مواجهة مباشرة مع حقّ السكان في الهدوء وحقّ المدينة في التنظيم.
الحل ليس في المنع ولا في التجاهل، بل في التنظيم الذكي كما يرى المهندس -عاصم شحادة – خبير التخطيط العمراني، من خلال تحديد ساعات مناسبة للتجوال داخل الأحياء، ضبط مستويات الصوت بما يراعي البيئة السكنية، تخصيص أسواق متنقلة بإشراف البلديات، توازن بين حرية البيع وراحة السكان.
بين رزق مشروع وحق مشروع، تبقى المعادلة معلقة حتى يأتي التنظيم الذي يحقق العدالة للجميع، باعة يبحثون عن قوت يومهم، وسكاناً يتوقون إلى لحظة سكينة لا يبددها صوت الميكروفون.