الثورة _ فؤاد مسعد :
البحث عن الخلاص كان الملجأ الذي انتصرت إليه الزوجة في الوقت الذي دأب فيه الزوج على التمسك بمنزله وأرضه، رغم الخيبات المتكررة والانكسارات التي بات عاجزاً على التعاطي معها أو ترقيعها، أما ابنتهما فوجدت ملاذها بمرافقة نجوم السماء.
هذه العائلة التي تعيش حالة من الصراع والتشظي الداخلي بين البقاء والرحيل، شكلت العمود الفقري لأحداث فيلم “نزوح” إخراج سؤدد كنعان، التي ابتعدت في شريطها السينمائي عن مشاهد العنف وانتصرت للحالة الإنسانية، مجسّدة العديد من المشاهد بإطار شاعري وجدت بأنه الأكثر تأثيراً في النفوس.
لا بل ذهبت أبعد من ذلك عبر تقديم بعض المشاهد بإطار “الواقعية السحرية” كحال مشهد رمي الحجرة الصغيرة إلى السماء التي تراها الأبنة وأمها بأنها “البحر” رمز الخلاص عند الأم، والملجأ عند الابنة.
وكحال مشهد القاء الابنة نفسها من فتحة السقف وكأنها على غيمة من النجوم المتلألئة.
يحكي الفيلم عن الإرهاصات التي سبقت قرار “النزوح”، كاشفاً تراتبية الوصول إليه، فمنذ المشهد الأول ونحن نتابع الزوج المتمسك في البقاء بمنزله محاولاً تبسيط الأمور وساعياً إلى تذليل العقبات بطريقة أقرب لـ “الدونكيشوتية”، إلا أن الصاروخ الذي خلع النوافذ من جذورها وأحدث فتحة في سقف غرفة الابنة اليافعة، بدا وكأنه قد كسر أسوار السجن، لترى الأم والابنة آفاقاً أخرى، الأمر الذي تم التعبير عنه بمشهد رقص كل منهما على حدا، هذا الشعور الذي سرقتاه من رحم القهر.
وعلى الرغم من أن الحي بات شبه فارغاً خوفاً من اقتحامه، إلا أن شاباً فتياً يتسلسل على الأسطحة يفتح عينا الفتاة اليافعة على حياة موجودة في الخارج لم تراها، فالصعود إلى السطح يجعلها تشاهد العالم برؤية جديدة.
الأب “سامر المصري” كان يعمل ليبقى ضمن صورة الرجل المنقذ للعائلة والحامي لها، ولكن هذه الفكرة بعظمتها ونبلها حُمَّلت لشخصية فضلّت المخرجة أن تجعلها تبدو هشة، كما أن الروح المرحة الأقرب إلى “الكوميديا السوداء” كانت حاضرة من خلالها، فالأب هنا متمسك برأيه وإن وارب على الحقيقة، الأمر الذي دفع ثمنه عندما فضلتّ زوجته “كندا علوش” أخذ ابنتها والهرب بها بعيداً لعلها تصل إلى البحر ظناً منها أنه قريب، ولتعبر منه إلى بلد اللجوء.
ما يشي بأنها كانت تعيش ضمن “قمقم” لا تعرف فيه أبعد من منزلها.
ولكن نفورها الذي ظهر فجأة من زوجها وهروبها منه وكأنها لم تعد قادرة على مسايرته، قابله الزوج بالتمسك بالعائلة وانصياعه لما تريد فهي دنياه كلها وما تبقى له.
ظهر واضحاً الشغل على التفاصيل بطريقة تلامس الأعمال الوثائقية، خاصة فيما يتعلق بالمكان، إن كان عبر الحارة المدمّرة أو النفق، أو حتى المنزل الذي بات شبه مهجور.
وفي مشاهد الرحيل، حيث يقوم الجيران بنقل ما يستطيعون من أثاث بسيط في سيارة للخروج من الحي.
كما عزز أسلوب التعاطي مع الإضاءة الشعور بالحالة الواقعية للحكاية، وفيما يتعلق بالتمثيل وبالإضافة إلى نجومية سامر المصري وكندا علوش، إلا أنه برزت عفوية الأداء وطلاقته لدى “حلا زين، نار العاني” اللذين قدّما دوري الشاب والشابة اليافعين، واستطاع كل منهما أن يعطي دفقاً من روحه ليظهرا متناغمين ومنسجمين إلى حد بعيد، وكأنهما نقطة نور وأمل وسط الظلام.