ولادة الأسير من رحم العتمة في “الداخل مفقود، والخارج مولود”

الثورة – حسين روماني:

يأتي فيلم وليد المدني “الداخل مفقود، والخارج مولود”، الذي وجد طريقه للعرض على الشاشة الكبيرة في قاعة الدراما بدار الأوبرا ضمن تظاهرة أفلام الثورة السورية، ليضعنا مباشرة أمام جرح مفتوح في الذاكرة السورية، جرح الاعتقال السياسي الذي لم يلتئم منذ عقود، لكنه اتسع حتى صار كابوساً جماعياً بعد انطلاقة الثورة عام 2011.

في عشرين دقيقة فقط، ينجح الفيلم في تكثيف تجربة التعذيب والعزلة، وتحويلها إلى صورة إنسانية تهزّ الوجدان وتكشف معنى أن يُسجن المرء لأنه ابن مدينة ثارت على الظلم.”وائل” القادم من المعضمية، لم يكن ناشطاً مسلّحاً ولا قائداً ميدانياً، يكفي أنه من مدينة اختارت الوقوف مع الثورة ليصبح هدفاً للاعتقال التعسفي، هنا تكمن المفارقة التي يفضحها الفيلم، فالهوية الجغرافية تتحوّل في قاموس السلطة إلى جرم لا يُغتفر، وفي هذه النقطة، ينجح المدني في إعادة تعريف فكرة “الاعتقال السياسي” لتصبح أبعد من الفرد وأقرب إلى استهداف جماعة كاملة.

اختار المخرج أن يترجم تجربة السجن الانفرادي عبر أدوات حسّية دقيقة.. صدى الخطوات، أنفاس متقطعة، إيقاع الظل والضوء في زوايا مظلمة.. الصوت يصبح جسداً إضافياً للشخصية، والصورة تُحمّل المشاهد إحساساً بالاختناق.

بعيداً عن السرد التقريري، يتحوّل الفيلم إلى تجربة بصرية- سمعية تجعلنا نعيش لحظة العزلة كما لو كنا داخل الزنزانة.”الداخل مفقود، والخارج مولود”.. ليس مجرد عنوان شعري، بل اختزال لجوهر التجربة، المعتقل الذي ينجو لا يخرج كما دخل، يولد من جديد مثقلاً بذاكرة الألم، فاقداً بعضاً من ذاته، مكتسباً وعياً آخر بالحرية والهشاشة. العنوان يلمّح إلى أن كل عودة من السجن هي ولادة ناقصة، وأن الحياة بعد المعتقل ليست استمرارية بل انقطاع دائم.

مخرج العمل وليد المدني، بخلفيته الأكاديمية يجمع بين صرامة الوثائقي وحساسية الفن البصري، الفيلم إنتاج مشترك بين البرتغال والإمارات، ما يمنحه أفقاً دولياً، لكنه في الوقت نفسه يطرح سؤالاً حول ذاكرة السوريين في المنفى: كيف تُسرد قصص السجون بعيداً عن المكان الأصلي الذي وُلد فيه الألم؟

المدني، بعمله، يفتح قناة للتواصل بين ذاكرة شخصية ووعي عالمي بقضايا حقوق الإنسان. رغم تركيزه على تجربة وائل الفردية، إلا أن الفيلم لا ينغلق على ذاته، كل تفصيل فيه، من تفاصيل الزنزانة إلى صوت السياط، يذكّر المشاهد أن الحكاية ليست واحدة، هي صورة مصغّرة لمصير آلاف المعتقلين الذين لا نعرف أسماءهم، وهنا يكمن البعد السياسي للفيلم.. تحويل الخاص إلى عام، والذاتي إلى جماعي.

قدم “الداخل مفقود، والخارج مولود” أكثر من وثيقة سياسية، إنه فعل مقاومة ضد محو الذاكرة.المدني لا يقدّم سرداً عابراً، بل يخلق تجربة تستعيد كرامة المسجون من قلب العتمة، وتجعل من الصوت المبحوح صرخةً باقية، بهذا المعنى، يصبح الفيلم جزءاً من إرث الثورة السورية، ليس فقط كتوثيق، بل كفنّ يصرّ على تذكير العالم أن وراء الأرقام وجوهاً وقلوباً وولادات ناقصة لم تكتمل.

آخر الأخبار
 أصوات الأهل والطلاب تسبق الجرس الأول بالمدارس حملات موسعة لإزالة الأنقاض وإعادة تأهيل بلدات وقرى ريف إدلب  تأييد عربي واسع لخارطة الطريق السورية - الأردنية - الأمريكية لحل أزمة السويداء المدارس تفتح أبوابها .. والجيوب تغلق    معضلة الإيجارات عند السوريين..  بحلب .. جدران متهالكة بأسعار ناطحات سحاب تعاون (سعودي - سوري - أميركي) يفتح أفق الاستثمار السياحي بعد يوم حافل باللقاءات .. الشيباني يبحث مع لاندوا آفاق تطوير العلاقات السورية الأمريكية     حلب تتحرك لإصلاح أهم طرقها الحيوية ب 10 ملايين دولار   تشكل محطةً فارقةً في مسار العلاقات .. الشيباني يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية وصول أول باخرة تحمل 50 ألف طن من الأرز قادمة من الصين.  بدعم أردني – أميركي.. الخارجية تعلن خريطة طريق شاملة لإعادة الاستقرار إلى السويداء  "نحو إنتاج زراعي اقتصادي".. في ورشة عمل بحمص  زيارة ميدانية ودعم لاتحاد الشرطة الرياضي  سوق المدينة يعود إلى " ضهرة عواد " بحلب  "وجهتك الأكاديمية" في جامعة اللاذقية.. حضور طلابي لافت وفد سعودي في محافظة دمشق لبحث فرص الاستثمار بتخفيضات تصل إلى 50 بالمئة.. افتتاح معرض "العودة إلى المدارس " باللاذقية أردوغان: ملتزمون بدعم وحدة واستقرار سوريا  الذهب يواصل ارتفاعه محلياً وعالمياً والأونصة تسجل 42.550 مليون ليرة سوريا: مستعدون للتعاون مع "الطاقة الذرية" لمعالجة الملفات العالقة