سلاحٌ خفيّ يهدد السوريين.. ومعطياتٌ تكشف تصاعده

الثورة – علا محمد:

أضواء الشاشات لا تكشف دائماً ما يختبئ وراءها، فرغم انفتاح العالم الرقمي على المعلومات والاتصال، يكمن تهديد متصاعد يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.. “الجريمة الإلكترونية” تتسلل بخفية، مستغلةً الفراغ الرقمي، والثغرات القانونية، وضعف الثقافة الرقمية، مهددةً استقرار حياة المواطنين.

في هذا الواقع المعقد، تقدم صحيفة الثورة مع المحامي فادي الرحال رؤية قانونية وتحليلية عميقة لجرائم الإنترنت في سوريا.

تعقيد وتطور مستمر

يشير المحامي الرحال إلى أن “الجرائم الإلكترونية” اليوم تشهد تطوراً غير مسبوق من حيث الأساليب والأهداف والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية، فسرعة الهجمات متزايدة، ويبلغ متوسط وقت اختراق الأنظمة 40 دقيقة فقط، ما يعكس مدى احترافية المهاجمين، كما أصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي أداةً مركزية في هذه الجرائم، إذ يستخدم المهاجمون تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء ملفات وهمية، رسائل بريد إلكتروني مزيفة، ومواقع احتيالية، مما يزيد صعوبة كشفهم وملاحقتهم.

ومع استمرار تصاعد هذه الظاهرة، يبرز أن معدلات “الجرائم الإلكترونية” في سوريا شهدت تزايداً ملحوظاً، مع تحول الصراعات من الواقع إلى منصات التواصل الاجتماعي، ما جعل الإنترنت ساحةً جديدة للنزاع والاستهداف.

تتعدد أشكال “الجرائم الإلكترونية” بين اختراق الحسابات، سرقة الهوية، الاحتيال المالي، الابتزاز، التشهير، والهجمات على الأنظمة.. وفي إطار ذلك يؤكد المحامي الرحال أن النساء والفتيات غالباً ما يتعرضن للابتزاز الجنسي والتشهير، فيما يكون الشباب والمراهقون عرضة للاختراق أو الاحتيال بسبب ضعف الوعي الأمني والفضول التقني، أما الطلاب، فيتعرضون لاستهداف حساباتهم التعليمية أو سرقة أبحاثهم، في حين يواجه التجار وأصحاب الأعمال الاحتيال المالي والهجمات على أنظمتهم، بما في ذلك هجمات الفدية.

ويضيف: إن كبار السن والمستخدمين غير المحترفين يشكلون ضحايا عشوائيين بسبب قلة خبرتهم الرقمية، بينما يسعى المهاجمون إلى تطوير أساليبهم لتتناسب مع سلوك كل فئة، مستغلين العواطف والثقة والفضول الرقمي.

جذور انتشار الظاهرة

تتعدد العوامل المؤدية لانتشار “الجرائم الإلكترونية” في المجتمع السوري، وتشمل جوانب بنيوية واجتماعية وتقنية، ويوضح المحامي الرحال أن ضعف التشريعات وغموض القوانين المتعلقة بالجرائم الرقمية، إلى جانب بطء الإجراءات القضائية، خلق بيئة مثالية للمجرمين، كما ساهم غياب الرقابة الرقمية وتراجع الثقافة الرقمية لدى المواطنين في زيادة انتشار هذه الجرائم، إلى جانب البطالة والضغوط الاقتصادية وتوسع استخدام الإنترنت من دون ضوابط.

ويضيف: إن غياب برامج التوعية المدرسية والجامعية حول الأمن الرقمي والسلوك الآمن على الإنترنت يعرض الفئات الشابة للابتزاز والهندسة الاجتماعية، في حين يؤدي انتشار الأجهزة الذكية من دون رقابة إلى سهولة اختراق البيانات عبر الشبكات العامة وغير الآمنة، كما أن ضعف القدرات التقنية لدى الجهات المعنية ونقص الكوادر المدربة في التحليل الجنائي الرقمي يزيد من صعوبة متابعة الجرائم وملاحقة مرتكبيها.

التحديات القانونية والتقنية

يعتبر المحامي الرحال أن إثبات “الجرائم الإلكترونية” أمام القضاء من أصعب التحديات، بسبب طبيعة الأدلة الرقمية وسرعة تطور التقنيات المستخدمة، فعملية جمع الأدلة الرقمية تشمل الرسائل الإلكترونية، سجلات الدخول، الصور، الفيديوهات، المحادثات، وملفات النظام، وتتم عبر أدوات التحليل الجنائي الرقمي، كما يجب توثيق الأدلة عبر بصمات رقمية وسلسلة حيازة واضحة، ثم تحليلها من قبل خبراء جنائيين لتحديد مصدر الجريمة وهوية الفاعل وتوقيت ارتكابها، وتقديمها أمام المحكمة ضمن تقارير فنية مدعومة بشهادات خبراء.

وأوضح أن أبرز الصعوبات تشمل قابلية الأدلة للتغيير أو الاختفاء، طبيعتها العابرة للحدود، نقص الكوادر المتخصصة، غياب تشريعات واضحة، وصعوبة إثبات النية الجنائية، بالإضافة إلى تعدد الوسائط والمنصات المشفرة، مشيراً إلى أن القانون السوري الحالي رقم 20 لعام 2022، المعروف باسم قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، جيد إلى حد ما لكنه يحتاج إلى تعديل ليواكب تطور الوسائل الإجرامية الرقمية.

الحلول الممكنة

يشدد المحامي الرحال على أن الحد من “الجرائم الإلكترونية” يتطلب مقاربة متكاملة تشمل تحديث القوانين لتشمل الجرائم الرقمية الحديثة، تعزيز البنية التحتية التقنية، إدماج الثقافة الرقمية في المناهج التعليمية، وتسهيل الإبلاغ عن الجرائم بشكل آمن، كما يضيف أن دعم الضحايا على المستويين النفسي والقانوني وحماية خصوصيتهم يساهم في تقليل الضرر وتعزيز التبليغ عن الجرائم.

ويؤكد على أهمية بناء شراكات محلية ودولية مع خبراء الأمن السيبراني لتعزيز القدرات السورية، ومواءمة التشريعات مع الاتفاقيات الدولية لضمان استجابة فعالة للتهديدات العابرة للحدود.

دور الإعلام والوعي

ولفت إلى أن الإعلام يمثل أداة قوية لنشر الوعي الرقمي والوقاية من “الجرائم الإلكترونية”، من خلال برامج تلفزيونية وإذاعية توعوية، ومحتوى رقمي جذاب على المنصات الاجتماعية، بالتعاون مع المؤثرين المحليين، مشدداً على ضرورة إشراك المجتمع المدني لمراقبة أثر هذه البرامج وضمان فعاليتها وشفافيتها، كما يبرز دور الإعلام الرقابي في فضح المنصات أو الجهات التي تسهّل الجرائم الرقمية وتعزيز الشفافية في العملية التشريعية، لافتاً إلى أهمية بناء شراكات مع خبراء تقنيين محليين ودوليين لدعم القدرة السورية في مواجهة “الجرائم الإلكترونية” بعد مرحلة التحرير.

هذه الشراكات تتيح نقل المعرفة، تدريب الكوادر، تطوير أدوات محلية فعالة، إنشاء مراكز استجابة للحوادث السيبرانية وفق المعايير العالمية، وتعزيز التشريعات والممارسات القضائية، كما تتيح مواجهة الجرائم العابرة للحدود بالتعاون الدولي والانضمام إلى اتفاقيات مثل اتفاقية بودابست للجرائم السيبرانية.

الأرقام والمعطيات

تشير المصادر المتاحة حتى عام 2025 إلى ارتفاع كبير في حجم “الجرائم الإلكترونية” في سوريا، رغم غياب إحصاءات رسمية دقيقة، إذ ارتفعت هذه الجرائم بمئات الأضعاف منذ عام 2011، وتشمل الابتزاز الإلكتروني، اختراق الحسابات، انتحال الهوية، التشهير، والاحتيال المالي.

وقد تم مؤخراً تفعيل فرع مكافحة جرائم المعلوماتية بعد توقف دام أكثر من سبعة أشهر، ما يعكس الضغط الكبير على هذا القسم نتيجة كثافة البلاغات، وتشير المعطيات إلى أن الاتجاه مستمر نحو الزيادة، رغم ارتفاع الوعي المجتمعي نسبياً.

بعد كل هذه التحديات، يتضح أن المعركة لم تعد مقتصرة على الأرض أو السياسة، بل تشمل حماية المعلومات والمجتمع من اعتداءات إلكترونية متزايدة، وإن التصدي لهذه الجرائم يتطلب تعاوناً شاملاً، لتبقى الشفافية والتعاون الدولي والاستجابة السريعة أدوات أساسية لحماية سوريا الرقمية والمجتمع من هذا السلاح الخفي المتسرب بصمت، لكنه شديد التأثير.

آخر الأخبار
زيارة الرئيس الشرع للبيت الأبيض.. تحوّل المسار السوري وتوازنه إقليمياً ودولياً تصريحات أميركية بعد اجتماع الشرع مع ترامب بعد دقائق من دخول الشرع إلى "البيت الأبيض".. الخزانة الأميركية تصدر قراراً مهماً  مركز للتصوير بالأمواج فوق الصوتية في مركز الأورام بمستشفى اللاذقية الجامعي  الرئيس الشرع يصل "البيت الأبيض" ويبدأ محادثاته بجلسة مغلقة إعادة تأهيل 320 مدرسة في إدلب زيارة الرئيس الشرع لـ"البيت الأبيض".. ماذا تريد واشنطن من لقاء دمشق؟ بعد 116 يوماً على اختطافه.. الدفاع المدني يجدد مطالبته بالإفراج عن حمزة العمارين سوريا تطرق أبواب "التحالف الدولي".. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية   ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في "كهرباء حمص"..!  30 ألف مستفيد سنوياً من خدمات مركز الإعاقة ومصابي الحرب وفد سويسري – ألماني يضع ملامح تطوير التعليم المهني في دمشق أجندة ترامب الشرق أوسطية.. لماذا زار الشرع واشنطن قبل صفقة بن سلمان الكبرى؟ بسلاح الحجة والعقلانية.. الرئيس الشرع يفرض الحوار من أجل إلغاء قانون "قيصر" خلال أقل من عام.. كيف أوصل الشيباني سوريا إلى مكاتب "البيت الأبيض"؟ "رويترز".. هل باتت الوكالة البريطانية الوسيلة الأخيرة لترويج تنظيم "داعش" في سوريا؟ ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد