الثورة
تكتسب مشاركة سوريا في مؤتمر «سيبوس 2025»، في مدينة فرانكفورت بألمانيا، أهمية استثنائية تتجاوز الطابع البروتوكولي، إذ يأتي هذا الحدث في لحظة حساسة بالنسبة للقطاع المالي السوري الذي يسعى إلى إعادة بناء جسوره مع النظام المصرفي العالمي بعد سنوات من العزلة.
يُعرف «سيبوس» بأنه أكبر منصة دولية للخدمات المالية، ويُعقد هذا العام تحت شعار «الحدود القادمة للتمويل العالمي”، ومن المقرر أن يجمع المؤتمر قادة البنوك المركزية، المؤسسات المالية الكبرى، شركات التكنولوجيا المالية، وممثلي الحكومات، لمناقشة قضايا محورية تشمل أنظمة المدفوعات، الأوراق المالية، التكنولوجيا المالية، الاستدامة، وإدارة النقد والتجارة، وبالتالي، فإن حضور سوريا يضعها في قلب الحوارات التي تحدد ملامح النظام المالي العالمي للسنوات المقبلة.
من الناحية العملية، تمثل الدعوة اعترافاً ضمنياً ببدء إعادة إدماج سوريا في الفضاء المالي الدولي، بعد أن نفذ مصرفها المركزي في حزيران الماضي أول تحويل مالي مباشر عبر شبكة «سويفت» منذ عام 2011، وهذا التطور يُقرأ كخطوة تمهيدية لإعادة بناء الثقة مع المؤسسات المصرفية الخارجية، واستعادة تدريجية للروابط المقطوعة نتيجة العقوبات والاضطرابات السابقة.
يوفر المؤتمر فرصة لسوريا للاطلاع على أحدث الاتجاهات في مجالات التكنولوجيا المالية وأنظمة الدفع الرقمية، وهو أمر ضروري في ظل الحاجة إلى تحديث بنيتها التحتية المالية بما يواكب التطورات العالمية، كما يفتح الباب أمام بناء شراكات مع مؤسسات مالية إقليمية ودولية، ما يمكن أن ينعكس على تسهيل التحويلات المالية، دعم التجارة الخارجية، وتطوير قنوات الاستثمار.
من المتوقع أن يسهم الحضور السوري في المؤتمر في توجيه رسالة للأسواق والمستثمرين بأن البلاد عازمة على اتباع معايير الانفتاح والشفافية، وهو ما يعزز مناخ الثقة بالقطاع المالي المحلي، كما أن النقاشات حول الاستدامة وإدارة المخاطر المالية يمكن أن توفر لسوريا أدوات جديدة لتعزيز استقرارها النقدي، والتقليل من كلفة المعاملات المالية على المواطنين والشركات.
لا يقتصر الأمر على الجانب المالي، إذ تحمل المشاركة بُعداً سياسياً ودبلوماسياً مهماً، فالدعوة إلى حدث بهذا الحجم تعكس توجهاً دولياً متنامياً للتعامل مع سوريا الجديدة كشريك في الحوار المالي والاقتصادي، وتؤكد أن دمشق لم تعد خارج دائرة الاهتمام الدولي، بل تعود تدريجياً لتكون جزءاً من المنظومة العالمية.
وتشكل مشاركة سوريا في مؤتمر «سيبوس 2025» خطوة استراتيجية لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي، فهي تمثل منصة لتبادل الخبرات، فرصة لبناء شراكات جديدة، ودليلاً على جدية الحكومة السورية في تحديث قطاعها المالي وتعزيز الشفافية، وإذا أحسنت سوريا استثمار هذه المشاركة، فقد تشكل نقطة تحوّل نحو مرحلة أكثر استقراراً واندماجاً في الاقتصاد الدولي.