الثورة – ميساء العلي:
بعدما حقق نمواً ملحوظاً مع زيادة أقساطه في العام 2021، انخفضت أقساط التأمين الهندسي في العام 2023 بنسبة 44 بالمئة بحسب بيانات هيئة الإشراف على التأمين، ولا يوجد أرقام عن نموه خلال العام الماضي أو خلال العام الجاري.
يرى العديد من المتخصصين في الشأن التأميني أن التأمين الهندسي فرصة حقيقية أمام شركات التأمين للبحث عن استثمار حقيقي لمنتجاتها، الأمر الذي يجعلها تراقب بدقة المشاريع المستقبلية التي ستطرح لمرحلة إعادة الإعمار للقطاعات عموماً وتحديداً الإنشائية منها خاصة أن هذا النوع من التأمين يحقّق منافسة أكبر من منتجات التأمين التقليدية.
50 بالمئة لا يطبق عليها
وفي هذا السياق يقول المتخصص بالبناء والمقاولات حسين ابراهيم في حديث لـ”الثورة”: إن 50 بالمئة من الناس يسكنون في مناطق مخالفات وبالتالي لا يطبق عليها التأمين الهندسي.
وأضاف: إن التأمين الهندسي ورغم أهميته إلا أنه غير مجدٍ في الوقت الحالي، ربما في المستقبل يتم أخذه بعين الاعتبار، والأفضل بداية التأمين على المعدات الأساسية قبل التفكير بالتأمين الهندسي، مشيراً إلى أن رأس المال هو من يتحكم بمسألة التأمين الهندسي.
من جانبه يقول المستشار التأميني المهندس سامر العش في حديث خاص لـ”الثورة”: إنه في عالم يتسارع فيه الإيقاع التنموي، وتتكاثر المشاريع العملاقة التي تشكل عمود الفقري للاقتصادات النامية، يبرز “التأمين الهندسي” كبطل خفي يحمي هذه الجهود من الانهيار المفاجئ فتخيل مشروعاً بنيوياً هائلاً يتوقف فجأة بسبب عاصفة أو خطأ فني؛ هنا يأتي التأمين الهندسي ليحول الكارثة إلى مجرد “حادثة مؤقتة”، مضمون التعويض والاستمرار.
وأضاف: في سوريا اليوم، ومع إعادة الإعمار الذي يلوح في الأفق، يصبح هذا النوع من التأمين ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية لإعادة بناء مستقبل أكثر أماناً.
ويتابع كلامه: يُعدّ التأمين الهندسي من أحدث وأهم أنواع التأمين في العالم، وخصوصاً في الدول النامية التي بدأت تدخل بقوة في مرحلة المشاريع الكبرى والبنى التحتية الحديثة، فمن المعروف أن قطاع التأمين بدأ أولاً بالتأمين على البضائع والسفن البحرية، ثم توسّع ليشمل التأمين على الحياة، التأمين الصحي، وتأمين وسائل النقل.
ويشير إلى أنه ومع تطور الصناعة وازدياد حجم المشاريع العمرانية، وهنا برز التأمين الهندسي كضرورة لحماية الاستثمارات وضمان استمرارية المشاريع.
صعوبة
ويلفت إلى أن التأمين الهندسي يمتاز بصعوبة وضع تعريف موحد له، لأنه يختلف باختلاف كل مشروع وظروفه الطبيعية والفنية، ومع ذلك يمكن القول إنه وسيلة لنقل الخطر من الأفراد أو المقاولين غير القادرين على مواجهة خسائر كبيرة، إلى شركات التأمين ومن خلفها شركات إعادة التأمين، بما يضمن استمرار المشاريع وعدم توقفها عند أول طارئ.
ويضيف العش: إن التأمين الهندسي ظهر مع التقدم الصناعي، وبالتحديد عندما سعى أصحاب المشاريع الكبيرة إلى تفادي الخسائر الناجمة عن الحوادث، سواء أكانت بشرية أم طبيعية أو ميكانيكية، وبدلاً من توقف المشروع أو تكبّد خسائر فادحة، وُجدت آلية لتحميل هذه المخاطر لجهة مالية قادرة على تعويضها وهكذا أصبح التأمين الهندسي أشبه بدرع أمان يحمي رأس المال، ويسمح للمشاريع بالاستمرار حتى في أصعب الظروف.
وبحسب العش فإن التأمين الهندسي يغطي طيفاً واسعاً من المخاطر التي تواجه المشاريع والمعدات والمنشآت، ومن أبرز أنواعه:
1. تأمين المشاريع الإنشائية والمدنية: يغطي الأعمال الدائمة والمؤقتة للمقاول في موقع المشروع، بما فيها الآلات والمعدات والمسؤولية المدنية تجاه الغير.
2. تأمين جميع أخطار التركيب: يخص مشاريع تركيب وتجهيز الآلات والمصانع مثل محطات الكهرباء والمصانع الكيماوية والدوائية، مع تغطية المسؤوليات المدنية.
3. تأمين عطب المكائن (كسر الآلات): يشمل الأضرار الناتجة عن التشغيل الخاطئ أو قلة الخبرة أو انفجار الغلايات والمراجل.
4. تأمين الآليات والمعدات الثقيلة: يغطي المعدات الثابتة والمتحركة في مواقع العمل وأثناء نقلها.
5. تأمين المعدات الالكترونية: يوفر حماية شاملة للحواسيب والأجهزة الالكترونية ضد الحريق، السرقة، الأعطال الكهربائية والأخطاء البشرية.
6. تأمين الممتلكات ضد الحريق: يغطي الأضرار التي تلحق بالمباني والعقارات بسبب الحرائق غير المفتعلة.
7. التأمين ضد الكوارث الطبيعية: مثل الفيضانات، الزلازل، البراكين والصواعق.
8. التأمين ضد الحروب والشغب: بشروط خاصة تغطي الأضرار الناتجة عن الاضطرابات الأمنية.
9. التأمين على المسؤولية المدنية: يحمي المؤمنين له من المطالبات القانونية الناتجة عن إصابة أشخاص أو أضرار لحقت بممتلكات الغير.
وبالنسبة لتحديد قيمة التأمين الهندسي يقول العش إنه يحدد عادة كنسبة من قيمة المشروع، وتزداد بحسب نطاق التغطية المطلوب، فالتغطية التي تشمل الحريق، السرقة، الكوارث الطبيعية، الحروب والمسؤولية المدنية، تكون قيمتها التأمينية أعلى، لكنها المقابل تمنح المستثمر طمأنينة أكبر.
أهمية مضاعفة
وحول أهميته في سوريا يقول العش إنه في الحالة السورية، يكتسب التأمين الهندسي أهمية مضاعفة مع اقتراب مرحلة إعادة الإعمار، فالمشاريع المرتقبة ستكون ضخمة ومتنوعة من إعادة بناء المساكن والبنى التحتية، إلى إعادة تأهيل المصانع، وصولاً إلى إقامة منشآت خدمية وصناعية جديدة. هذه المشاريع، بحجمها وتعقيدها، تحمل مخاطر كبيرة تتعلق بالتنفيذ، التمويل، والتقلبات الطبيعية والاقتصادية.
وهنا يأتي دور التأمين الهندسي ليكون أداة استراتيجية لحماية الاستثمارات وضمان استمرارية العمل، فهو يحقق عدة فوائد جوهرية بحسب المستشار التأميني منها: طمأنة المستثمرين المحليين والأجانب أن رؤوس أموالهم محمية ضد الأخطار المفاجئة مع ضمان استمرار المشاريع، حتى في حال وقوع حادث أو كارثة طبيعية، إذ يغطي التأمين الخسائر ويسمح باستكمال التنفيذ إضافة إلى تعزيز ثقة الشركاء الدوليين الراغبين بالمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، عبر وجود نظام تأميني متين ناهيك عن تخفيف الأعباء عن الدولة عبر نقل الخسائر من الموازنة العامة إلى شركات التأمين وإعادة التأمين.
الضامن للتنمية
بذلك، يمكن القول: إن التأمين الهندسي لن يكون مجرد منتج مالي إضافي، بل سيكون أحد الأعمدة الأساسية لإعادة إعمار سوريا، إذ يساهم في خلق بيئة استثمارية آمنة، ويحمي المشاريع من التوقف أو الانهيار عند أول هزة.
باختصار، التأمين الهندسي هو الضامن لاستمرار عجلة التنمية مهما كانت التحديات وفي مرحلة مفصلية مثل إعادة الإعمار في سوريا، يصبح هذا النوع من التأمين ليس خياراً ترفيهياً، بل ضرورة وطنية لضمان عودة الحياة الاقتصادية والعمرانية بأمان واستقرار، فهل حان الوقت لسوريا لتبني هذا الدرع، ولتبدأ صفحة جديدة من الازدهار المحمي؟.