الفشل الإداري.. قرارات بلا رقابة و”تصفيق” يعلو على المحاسبة

الثورة – ناديا سعود:

في مكاتب الوزارات والإدارات العامة، حيث تُتخذ القرارات وتُرسم السياسات، قد يبدو كل شيء منظماً على الورق، لكن خلف الأبواب المغلقة، تتكشّف أحياناً صورة مختلفة.. مشاريع متعثّرة، قرارات بلا نتائج، وإدارات تُصفّق لصاحب القرار أكثر مما تراقب أداءه.

بهذه العبارة المكثفة “من يقرّر هو من يصفّق”، لخّص المهندس أيمن فرستقي في حديثه مع لـ”الثورة” جوهر الفشل الإداري الذي تعانيه كثير من مؤسسات الدولة، فحين يجتمع القرار والتصفيق في يدٍ واحدة، تغيب المساءلة، وتتحوّل الإدارة إلى دائرة مغلقة لا يدخلها النقد ولا تخرج منها الشفافية.

أعراض مرضٍ مؤسسي

المهندس فرستقي عرف الفشل الإداري بأنه عجز المؤسسات عن تحقيق أهدافها بفعالية وكفاءة ونزاهة، وهو ما يظهر في الواقع على شكل هدرٍ في الموارد، وتراجعٍ في جودة الخدمات، وتعقدٍ بيروقراطي يستهلك الجهد والوقت من دون نتائج.

ويضيف: حين تنفصل الإدارة عن الميدان، وتغيب الرقابة المستقلة، يصبح القرار إدارياً في الشكل، لكنه شخصي في المضمون.

العبارة التي يرددها م. فرستقي ليست مجرد وصف ساخر، بل تشخيص دقيق لخللٍ هيكلي: صانع القرار في الإدارات غالباً ما يُحاط بمجموعة من المؤيدين أو الخائفين، الذين يباركون كل خطوة، ويغيب عنهم النقد المهني، هكذا تتكرّس ثقافة “التصفيق للمعنيين”، بدلاً من ثقافة المراجعة والمساءلة.

ويشير إلى أن هذا السلوك ينمو في بيئات تغيب فيها الحوكمة، وتضعف فيها القوانين التي تفصل بين من يُقرّر ومن يُنفّذ ومن يُحاسِب، كما يؤكد المهندس فرستقي أن غياب الحوكمة هو الجذر العميق لكل مظاهر الفشل الإداري.

وبين أن الحوكمة ليست شعاراً، بل منظومة متكاملة تقوم على الشفافية في عرض المعلومات والقرارات، المساءلة عبر جهات مستقلة، الفصل المؤسسي بين من يضع السياسة ومن ينفذها، المشاركة في صنع القرار، تجريم تضارب المصالح، والالتزام بسيادة القانون، وأضاف: “حين نخلّ بأحد هذه الأعمدة، ينهار البناء الإداري مهما كانت النيات حسنة”.

نماذج من العالم

قدم م. فرستقي أمثلة عالمية توضّح كيف يقود ضعف الحوكمة إلى الانهيار المؤسسي ومنها :مشروعات “الظل” التي تُعلن في بعض الدول دون تنفيذ فعلي، لتظل أرقاماً في تقارير لا تُراجع منها فضيحة “كاشغيت” في ملاوي (2013)، إذ سُرق أكثر من 32 مليون دولار بسبب ضعف نظام الرقابة المالية ومشروع DMI في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، الذي أُلغِي بعد إنفاق 100 مليون جنيه إسترليني لغياب الإشراف التقني المستقل.

كلها شواهد على أن غياب الحوكمة لا يعني فقط سوء الإدارة، بل خسائر اقتصادية ومعنوية جسيمة.

ويحلّل م. فرستقي أبرز الأسباب التي تُغذي الفشل داخل المؤسسات: وهي غياب الرقابة والمراجعة المستقلة، مركزية القرار المفرطة، مكافأة الموالين ومعاقبة الناقدين، تضارب المصالح وضعف الإفصاح المالي، وتغيّر القيادات والسياسات بشكل متكرر.

ويقول: حين تغيب المحاسبة ويكافأ التملق، تتحول الإدارة إلى حلقة مغلقة تُعيد إنتاج الفشل.

ويدعو م. فرستقي إلى إصلاحٍ إداري جذري قائم على الحوكمة الفعلية لا الشكلية، عبر: إنشاء هيئات رقابية مستقلة داخل الوزارات، فصل واضح بين واضعي السياسات والمنفّذين والمراجعين، واعتماد الشفافية ومراقبة، وتضارب المصالح وفرض العقوبات على المخالفين، وتدريب الكوادر الإدارية على مبادئ الحوكمة والمساءلة.

وختم م. فرستقي حديثه قائلاً: الفشل الإداري ليس مصادفة، بل نتيجة نظام بلا توازن ولا رقابة.. الإصلاح يبدأ حين نعيد توزيع الإدارة بين من يقرّر ومن يراقب ومن يحاسِب، عندها فقط، سننتقل من إدارة تُصفّق لقراراتها، إلى إدارة تُصفّق لها نتائجها.

آخر الأخبار
تأهيل الطرق وتحسين البنية التحتية في منبج وإعزاز عبد الحفيظ شرف: دمشق تتعامل بمسؤولية وطنية وتغلّب الحل السلمي مع "قسد" توزيع 3750 مقعداً على مدارس درعا ترميم ثانوية الشجرة الصناعية بدرعا حاجة ملحّة للطلاب ماذا تتضمن المرحلة الأولى من "خطة ترامب" باتفاق غزة؟ تقارير بحثية: الدعم الأميركي مكّن "إسرائيل" من ارتكاب مجازر جماعية واجهة حلب مستباحة بكتابات العشّاق وأمنياتهم  بسبب نقص التمويل.. الأمم المتحدة ستقلص عديد قواتها في العالم دمشق وأنقرة.. خيارات بديلة وحلول عملية لمواجهة استفزازات "قسد" اتفاق "وقف الحرب" على غزة يدخل حيز التنفيذ سوريا تبدأ فصلاً جديداً في حربها على تجارة المخدرات طريق التعليم للجميع.. آلاف الشهادات غير السورية تدخل السجل السوري توقعات النمو شرطها رؤية اقتصادية جديدة "جمعية حماية المستهلك": التجار لو ربحوا 90 بالمئة يشعروننا بالخسارة مبادرة طب الطوارئ.. قرار الحسم بأصعب اللحظات مجلس الشعب الجديد... سوريا على سكة بناء الدولة الحديثة "التربية والتعليم": كرامة المعلم وأمن الطالب خط أحمر "المشروع العاشر" يتضامن مع الطفل المخطوف سوريا على خريطة "ميتا".. هل تجتاز اختبار الجاهزية؟ عودة الإعلانات الممولة ستسهم في تحفيز سوق العمل الإعدام على أنغام فيروز وأم كلثوم.. دراسة بحثية في فرنسا للطالبة سارة العويد