الثورة – ميساء العجي:
كل حملة تبرع تمثل نافذة يمكن من خلالها للمجتمع أن يرى قدرته على التكاتف والوقوف مع بعضه البعض، لتخفيف معاناة الأسر ودعم الفئات الأكثر هشاشة.
الدكتورة فاتن نظام- جامعة دمشق- كلية التربية، تحدثت لـ”الثورة” عن أهمية التبرعات وفائدتها: إن التبرعات ليست مجرد عملية مالية، بل هي تعبير عن التضامن الاجتماعي والمسؤولية الإنسانية، فالمجتمعات التي تشجع العطاء وتعمل على دعم المحتاجين تصبح أكثر تماسكاً واستقراراً، فالتبرع يشمل المال، الوقت، الجهد، أو حتى الخبرة، وكل شكل منه له أثره الإيجابي في المجتمع.
وأضافت: إن حملات التبرع ليست فقط وسيلة لجمع الأموال، بل أداة تعليمية وتربوية تعزز من مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد، فالمساهمة في حملة إنسانية تعلّم الأطفال والشباب أن دورهم في المجتمع لا يقتصر على مصالحهم الشخصية، بل يمتد ليشمل الآخرين، ليصبح العطاء جزءاً من حياتهم اليومية، ولفتت د، نظام إلى أن هذه الثقافة تعيد بناء جسور الثقة بين المواطنين، وتعمّق شعور الانتماء للوطن والمجتمع، حيث يدرك كل شخص أن دوره في مساعدة الآخرين هو جزء لا يتجزأ من استقرار المجتمع ونموه.
وتقول: إن التبرع أيضاً يخفف الضغط على المؤسسات الحكومية، ويكمل الجهود الرسمية في تغطية الاحتياجات الأساسية، سواء كانت تعليمية أم صحية أم غذائية، وهو يشجع على تطوير آليات فعالة للتعاون بين الدولة والمجتمع المدني، ما يؤدي إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة، وتسريع الاستجابة للأزمات الطارئة.
شريان حياة الوطن
كما أوضحت د. نظام أن حملات التبرع هي شريان حياة للوطن والإنسان، وأنها تعكس التكافل الاجتماعي وتدعم قيم العطاء، لكنها في الوقت ذاته يجب أن تكون شاملة لكل السوريين من دون تفرقة، ويجب أن تُقاس بالنية والجهد لا بالمبالغ فقط، مؤكدة أن حب الظهور “والبروظة” قد يكون ضاراً، وأن الأخلاق والوعي هما ما يحدد شخصية الإنسان الحقيقي.
كما أشارت إلى أن الكثيرين يشعرون بالتهميش إذا لم يتم تسليط الضوء عليهم إعلامياً، وهذا يولد شعوراً بالخذلان، لذلك يجب أن تكون حملات التبرع بعقلانية ونزاهة، بما يجمع السوريين ويعزز روح الوحدة.
أثرها على المجتمعتبين
د. نظام أنه لا تقتصر فوائد حملات التبرع على الجوانب المادية، بل تمتد لتشمل الأبعاد النفسية والاجتماعية، فالمستفيد من الدعم يشعر بأن هناك من يهتم به، مما يعزز ثقته بنفسه ويخفف شعوره بالقلق والانعزال، كما أن هذه الحملات توحد المجتمع، وتخلق شعوراً بالانتماء المشترك، إذ يجتمع الناس حول هدف إنساني سامٍ يتجاوز الانقسامات الاقتصادية أو الجغرافية أو الاجتماعية.
وأشارت إلى أن القيام بحملات التبرع، تساهم في تشجيع روح التطوع، إذ يشارك كثير من المواطنين في توزيع المساعدات، وتنظيم فعاليات موازية للأطفال والنساء وكبار السن، وتقديم الدعم النفسي للفئات المتأثرة، كل هذه الجهود تعكس صورة حقيقية للمجتمع السوري ككيان قادر على الوقوف في وجه التحديات، وتقديم المساعدة بكرامة وإنسانية.
دور المؤسسات والخبراء
وذكرت د. نظام أن المؤسسات الخيرية والمنظمات الإنسانية تلعب دوراً أساسياً في إنجاح حملات التبرع، حيث توفر الخبرة والموارد اللوجستية التي تمكن من إيصال الدعم إلى المستحقين بشكل فعال ومنظم، كما يجب أن يساهم الخبراء في مجال العمل الإغاثي والتنموي في وضع خطط دقيقة لتوزيع المساعدات، وضمان وصولها للفئات الأكثر احتياجاً، وهنا توضح أن التبرعات تبرز أهميتها إضافة إلى الدعم المادي، بتقديم فرص لتبادل الخبرات بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني، ما يعزز الشفافية والمصداقية ويكسر الحواجز بين مختلف شرائح المجتمع، ومن خلال هذه العملية، يكتسب الشباب خبرة عملية في العمل الإنساني والتطوعي، ما يعدهم ليكونوا قادة المستقبل في مبادرات مجتمعية مشابهة.
ثقافة مستمرة للتكافل
ولفتت د. نظام إلى أن أهم ما يميز حملات التبرع في سوريا من وجهة نظرها هو أنها أصبحت جزءاً من الثقافة المجتمعية، وليس مجرد نشاط مؤقت، فالاستمرارية في تنظيم هذه الحملات تخلق وعياً جماعياً بأهمية العطاء، منوهة أن الدعم يجب ألا يقتصر على حالات الطوارئ، بل يجب أن يكون جزءاً دائماً من حياة المواطنين.
في حين هذه الثقافة تعزز شعور المسؤولية الاجتماعية لدى المغتربين السوريين، الذين يجدون في المشاركة فرصة لإبقاء صلتهم بوطنهم قوية، وللتعبير عن وفائهم لأهلهم ومجتمعهم، رغم البعد الجغرافي والمسافات الطويلة.
وفي هذا الجانب تؤكد د. نظام أن كل مساهمة، مهما كانت صغيرة، تُحدث فرقاً ملموساً عند جمعها مع مساهمات الآخرين، فالدعم الفردي يتحول إلى قوة جماعية قادرة على تحسين حياة آلاف الأشخاص، من توفير الغذاء والدواء، إلى تمويل المشاريع التعليمية والصحية، إذ تمنح المشاركة في هذه الحملات الفرد شعوراً بالتمكين، وتجعل دوره في المجتمع ملموساً وذا أثر حقيقي.