الثورة – رنا بدري سلوم :
احتضنت المكتبة الوطنية في دمشق اليوم ندوة فكرية بعنوان «الجذور التاريخية وإرث النظام»، قدّمها الباحث شريف رجب، واستضافت الناشط السياسي الدكتور ياسر تيسير العيتي، بمشاركة رئيس اتحاد الكتّاب العرب وأستاذ الأدب في جامعة دمشق الدكتور أحمد جاسم الحسين.
تناولت الندوة العلاقة بين الأدب والسياسة والثقافة في تشكيل الوعي الجمعي السوري، واستشراف ملامح المستقبل وبناء سوريا الجديدة من خلال قراءة الماضي وفهم إرث النظام.
التاريخ المكمّل للوعي
استهلّ الدكتور أحمد الحسين حديثه عن الإرث التاريخي للنظام السوري، موضحاً أن فهم هذا الإرث لا يكون بالنفي أو التبرير، بل بتحليله بوصفه تجربة اجتماعية وثقافية ممتدة. وقال: «نريد لسوريا أن تكون دولة تنتمي إلى وعيها، لا إلى خوفها، وأن تنهض من إرثها لبناء حاضرها على أسس فكرية وإنسانية جديدة».
وأشار إلى أن جزءاً كبيراً من التاريخ السوري لا يزال حبيس المذكرات الشخصية والوثائق غير المنشورة، مثل مذكرات القوتلي والعظم والجابري، التي تقدم شهادات حية على تشكّل الدولة الحديثة. وتطرق إلى البنية الأيديولوجية للنظام وتأثير التحولات الديموغرافية على علاقات سوريا مع الدول العربية الشقيقة.
ودعا الحسين إلى تجاوز ذهنية الإحباط التي سادت في تسعينيات القرن الماضي، معتبراً أن تلك المرحلة رسّخت شعوراً بالعجز لدى النخب الثقافية. وقال: «لا يأس بعد اليوم، لقد آن الأوان لأن نكتب ونفكر ونتحاور من موقع الفعل، لا من موقع الخوف».
وأكد أن تجربة السورية الماضية كانت اختبارا قاسياً للوعي السوري، إذ وجد المثقف نفسه في مواجهة صامتة مع السلطة، يراقب كلماته ومواقفه خوفاً من فقدان فرصة أو نيل درجة علمية.
سوريا الجديدة بين الأدب والسياسة
من جهته أوضح الكاتب والناشط السياسي الدكتور ياسر تيسير العيتي أن المرحلة الراهنة تتطلب بلورة إيديولوجيا وطنية جديدة تعترف بالاختلاف والتنوع بوصفهما قيمة مثرية للوطن، بعيداغ عن الفكر القبلي أو العشائري. وأضاف: «نحن بحاجة إلى تفاوض فكري وثقافي ينتج سردية وطنية جامعة، نتفاهم حولها ونتشارك في صياغتها».
وشدّد العيتي على أن المكاشفة ليست ترفاً بل ضرورة لتجاوز الماضي والانطلاق نحو مستقبل أكثر وعياً ووحدة، مؤكداً أن بلاد المشرق تواجه اليوم تحدياً في بناء دولة حديثة تقوم على التعدد والمواطنة المتساوية.
حوارات وحضور فاعل
اختُتمت الندوة بحوار مفتوح بين الحاضرين، شددوا خلاله على ضرورة بناء سوريا جديدة تقوم على حرية التفكير والتعبير، مع إعادة الأدب والثقافة إلى دورهما كقوة فاعلة في صياغة المستقبل، لا مجرد انعكاس للواقع.
وتطرقت المداخلات إلى رمزية تمثال يوسف العظمة، حيث أشار أحد المتحدثين إلى أن التمثال كان موضوعا في أحد أركان العاصمة قبل نقله إلى ساحة المحافظة في عهد الأسد الأب، مع تغيير اتجاه السيف، في إشارة إلى تبدّل دلالات القوة.
كما تناولت إحدى المداخلات مسألة الهوية والانتماء، مؤكدةً أنه لا وجود للأعراق بمعناها الانقسامي في سوريا، بل هناك شعب واحد تتنوع جذوره وثقافاته.
وأشار المشاركون إلى أن مؤسسات الدولة السورية التي نشأت بعد الانتداب الفرنسي كانت امتداداً لمؤسسات الدولة العثمانية، ما يستدعي فهم الجذور التاريخية لبناء مؤسسات وطنية حديثة تستند إلى الثقافة العربية والحضارة الإسلامية.
يُذكر أن ندوة «الجذور التاريخية وإرث النظام» جاءت ضمن فعاليات ملتقى الحكاية السورية، الذي افتتحه اليوم وزير الثقافة محمد ياسين الصالح الذي أكد أن الملتقى يشكل خطوة أولى ضمن مشروع وطني متكامل لتوثيق الذاكرة السورية، معلناً بدء العمل في إعداد كتاب توثيقي شامل يصدر قريباً، ليكون مرجعاً للأجيال القادمة، ومرجعاً للوفود الثقافية الزائرة، حضر الملتقى نخبة من الأدباء والإعلاميين والمهتمين بالشأنين الثقافي والسياسي.