ثورة اون لاين: طيب الله ثرى الدكتور عبد الرزاق جعفر , أستاذنا وكنا لا نزال طلابا قال لي يوما: أكثر الناس تبجحا بالقيم أكثرهم فقدانا لها , بعدما حاول تاجر في سوق الحميدية إقناعه وهو يجهل من هو , بأن ثمة آية قرآنية تبدأ بـ " وتفاصلوا … " لتبرير بيعه سجادة , وهو العالم علوم القرآن والحديث !
ما خذلتني " الثورة " أبدا , بل الثوريون , وما خذلتني الحرية أبدا , بل الأحرار , وما خذلتني الديمقراطية أبدا , بل الديمقراطيون .. رأيتهم جميعا حيث كانوا وإلى حيث انتهى كل منهم !
عرفت ورأيت وقرأت جلَّ المثقفين الثوريين والديمقراطيين والأحرار السوريين منذ عقود أو سنين , عرفتهم بياقات وربطات عنق ومن دونها , عرفتهم حليقين أو ملتحين , معطرين أو مزكمين , شعراء وكتاب وصحفيين ومفكرين , وتوهمت أنهم يوما سوف يذهلون العالم , وسوف يفغر العالم فاه دهشة لما يراهم ممتطين صهوة الثورة ممسكين بعنانها إلى الأفق … إلى وطن تكف فيه كلمات محمود درويش عن قرع نواقيس ذاكرتنا بأن على أرضه ما يستحق الحياة , ولا يريق فيه نزار قباني دمه كي يذيقنا حلاوة عنبه الشامي ونكهة تفاحه السوري , توهمت أن كل قطرة حبر أراقوها تساوي قطرة دم , وأن كل حرف خطوه يساوي خارطة !
ما كان ليدور في ذهني أبدا أن يخون بعض المثقفين ثقافتهم بذريعة الرأي الآخر إذ لا رأي آخر عند عتبة مصير الوطن , ولا أن يطعن الثوار الثورة في ظهرها إذ يتحالفون مع الشيطان وتجلياته المتعددة , ولا أن يأسر الأحرار الحرية في جيوبهم كدسا من الدولارات , وما كنت لأتخيل أبدا أن يتحول المثقفون الثوريون إياهم إلى باعة جوالين بطريقة " بلاك ووتر " إذ تغدو الكلمات رصاصات تسيل الدم, وأن يتحلق الأحرار حول موائد اللئام يلتقطون الفتات المتساقط من جنبات أشداق بدوي بدائي يلتهم الديمقراطية كما اللحم دون أن يطهوه , وأن يصير دعاة الديمقراطية أكثر وعيداً واستبداداً من مستبد بائس .
هي حمى " البزنس " وقد دارت برؤوس تجار الثورة وقواديها وصبيانها , والمزاد مفتوح فوق بركة الدم ولكل صنف ثمن , سعر للانشقاق وآخر للمنشق , وسعر للمؤتمر المعارض وآخر للمنظم وصاحب الدعوة وثالث للمدعوين , بورصة الدم والخراب تزدهر وسوق السهم تصعد دائما وثمة من يبيع ويشتري .. " وتفاصلوا .. " تعمل بلا هوادة في السوق والبورصة على السواء, تماما وأشد وطأة … بين المثقفين الثوريين والأحرار والديمقراطيين إياهم , فصبرا دمشق على البلوى فكم صهرت سبائك الذهب الغالي فما احترقا ؟
خالد الأشهب